المغرب يحقق اختراقات دبلوماسية جديدة .. وهذه دلالات "قرار الإكوادور"

0 تعليق ارسل طباعة

تواصل الدبلوماسية المغربية اختراق الأنوية الصلبة لأطروحة البوليساريو الانفصالية في أمريكا اللاتينية، لتصل إلى دولة الإكوادور (العضو الحالي بمجلس الأمن)، التي أبلغت وزارة خارجيتها نظيرتها المغربية، أمس الثلاثاء، بقرار كيتو العاصمة تعليق اعترافها بالكيان الوهمي الذي كانت اعترفت به وفتحت تمثيلية له على أراضيها في سياق كانت تغلب فيها الإيديولوجية والمرجعيات الحزبية على البراغماتية والواقعية السياسية، وكان فيه الحضور الدبلوماسي المغربي ضعيفا في هذه الرقعة الجغرافية.

ويأتي هذا الموقف الإكوادوري الجديد في أعقاب تولي الرئيس الشاب دانييل نوبرا، ذي التوجهات اليمينية، الحكم في البلاد، ليشكل نقطة تحول أساسية في السياسة الخارجية لدولة تعترف بالبوليساريو منذ سنة 1983، وليزيد من الحصار السياسي المطبق على الانفصال ورعاته في إفريقيا وأمريكا اللاتينية، خاصة الجزائر وبعض دول “التحالف البوليفاري”.

ورغم رهان قيادة البوليساريو في تندوف على استمرار موقف كيتو الداعم لها، وتأسيس مجموعة صداقة برلمانية بين البرلمان الإكوادوري وما يسمى “المجلس الوطني الصحراوي”، أوائل العام الجاري، لكسب مزيد من التعاطف الرسمي في المنطقة، إلا أن هذا البلد اللاتيني أبى إلا أن ينضم إلى قائمة الدول الأمريكية التي سحبت أو علقت اعترافها بهذا الكيان، ولتبقى دول قليلة فقط لا يكاد يُسمع لها صوت في العالم، على رأسها فنزويلا وكوبا وبعض الدول المجهرية.

إلى ذلك أكد مصدر مسؤول، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “الخارجية الإكوادورية أبلغت البوليساريو بهذا القرار الجديد، ما يعني حسب القانون الدبلوماسي الدولي إغلاق ما تسمى تمثيلية الانفصاليين في العاصمة كيتو”، مؤكدا أن “هذا القرار الذي اتخذته الإكوادور تكمن أهميته في كون هذا البلد فاعلا على الساحة الدولية، حيث تحظى دبلوماسيته بقوة وثقل كبيرين”.

وشدد المصدر الذي تحدث لهسبريس على أن “قرار تعليق الاعتراف بالجمهورية الصحراوية الزائفة من قبل الإكوادور، العضو غير الدائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة للفترة 2023-2024، يأتي قبل أيام قليلة من اعتماد قرار مجلس الأمن بشأن قضية الصحراء المغربية”، مسجلا أن “الدينامية الدبلوماسية التي يقودها جلالة الملك محمد السادس من أجل تكريس مغربية الصحراء والدفع بخطة الحكم الذاتي كأساس وحيد لحل هذا النزاع الإقليمي تؤثر أيضا على منظمات الأمم المتحدة، علما أن الإكوادور عضو في اللجنة الخاصة لإنهاء الاستعمار واللجنة الرابعة”.

نتيجة طبيعية وتطويق إستراتيجي

تعليقا على ذلك قال البراق شادي عبد السلام، خبير دولي في إدارة الأزمات وتحليل الصراع وتدبير المخاطر، إن “تجميد الإكوادور اعترافها بالكيان الوهمي هو نتيجة طبيعية لعمل دؤوب تقوم به الدبلوماسية المغربية من خلال الترافع الجدي والمسؤول عن القضايا العادلة للوطن، بالإضافة إلى الجاذبية الكبرى للمبادرات الملكية التي تهدف إلى تحويل الصحراء المغربية إلى جسر حضاري بين مختلف دول العالم، متسلحة بصواب وعقلانية المقترح المغربي المتمثل في الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية من أجل تحقيق اختراقات دبلوماسية في المعاقل التقليدية للأطروحة الانفصالية، وبشكل خاص في أمريكا اللاتينية”.

وأضاف البراق أن “المغرب يقوم منذ سنوات بعملية كبرى تستهدف التطويق الإستراتيجي للبوليساريو، في مطاردة دبلوماسية هادئة ودقيقة من خلال استهداف نقاط الارتكاز العملياتية التي تعتمد عليها آلة التضليل للترويج للطرح الانفصالي، خاصة في الدول التي تعرف تعاطفا كبيرا مع الطروحات اليسارية في أمريكا اللاتينية، على غرار المكسيك وكولومبيا وفنزويلا والإكوادور”.

وشدد المصرح لهسبريس على أن “قرار الإكوادور له أهميته وراهنيته، إذ يأتي على بعد أيام من قرار مجلس الأمن السنوي حول الصحراء المغربية، ويمكن اعتباره رسالة واضحة من دولة عضو غير دائم داخل مجلس الأمن إلى مختلف الأطراف بأن مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية يشكل الحل السياسي الوحيد والأوحد لهذا النزاع الإقليمي المفتعل، في ظل التحديات الجيوسياسية المتعددة التي تهدد العملية السياسية بأكملها بالعودة إلى نقطة الصفر”.

وتابع المتحدث ذاته بأن “الإكوادور تعتبر من أهم الدول المؤثرة في الوضع الجيوسياسي بأمريكا اللاتينية حاليا، ولها حضور فاعل في مجموعة من المنظمات الإقليمية والدولية كعضو في مجموعة دول الأنديز ومجموعة دول أمريكا اللاتينية والكاريبي”، مشيرا إلى أن “الرباط قامت بعمل كبير وغير مسبوق بإحداث مجموعة الصداقة المغربية-الإكوادورية بالجمعية الوطنية الإكوادورية، ما أعقبته لقاءات رفيعة المستوى وتصريحات من مختلف القوى السياسية الفاعلة المثمنة للصداقة بين البلدين، انتهت بموقف سياسي ودبلوماسي شجاع أسقط أحد المواقع المتقدمة الكبرى للدعاية الانفصالية في أمريكا اللاتينية”.

منعطف جديد وآفاق واعدة

من جهته أورد محمد عطيف، باحث في العلاقات الدولية متخصص في شؤون أمريكا اللاتينية، أن “قرار جمهورية الإكوادور سحب اعترافها بهذا الكيان الوهمي، الذي يأتي قبيل قرار مجلس الأمن المرتقب حول الصحراء أواخر الشهر الجاري، يشكل منعطفا جديدا في تأكيد السيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية، خاصة أن هذا الموقف الجديد يصدر عن دولة كانت تقيم علاقات دبلوماسية مع البوليساريو منذ ثمانينيات القرن الماضي”.

وأوضح عطيف، ضمن تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “هذا الموقف لا يشكل فقط مكسبا دبلوماسيا بالنسبة للمغرب، وإنما أيضا انتكاسة للطرح الانفصالي الذي كان يعتبر أمريكا اللاتينية من أهم معاقله الكلاسيكية التي راهن عليها في السنوات الأخيرة من أجل إثبات وجوده على الساحة السياسية، خاصة بعدما بدأ يفقد معاقل أخرى، خاصة في إفريقيا”.

وسجل الباحث ذاته أن “توجهات السياسة الخارجية للعديد من دول أمريكا اللاتينية في ما يتعلق بملف الصحراء كانت محكومة بمجموعة من العوامل ذات الطابع الإيديولوجي بالدرجة الأولى، غير أنها بدأت تنحو في الفترة الأخيرة منحى التخلص من رواسب الماضي، واتخاذ خطوات مواقف تتماشى مع طبيعة التحولات الإقليمية والدولية الطارئة ومع مصالحها القومية، ومن هذا المنطلق جاء هذا الموقف الإكوادوري الجديد الذي لا يكتسي أهميته فقط من طبيعة الدولة نفسها، بل أيضا في اتخاذه من طرف بلد يشغل العضوية غير الدائمة في مجلس الأمن قبيل قراره المرتقب”.

وأكد الباحث في شؤون أمريكا اللاتينية أن “المغرب عمل على التصدي للأطروحة الانفصالية من خلال تصحيح مجموعة من المغالطات السياسية التي كانت تبني عليها بعض الدول مواقفها تجاه قضية الصحراء المغربية”، مشددا على أن “الموقف الإكوادوري الجديد يؤكد على مكانة المغرب في التوجه الخارجي لهذا البلد الذي أصبح ينظر للرباط كشريك إستراتيجي مهم في إفريقيا وفي القضايا الاقتصادية والتنموية والأمنية؛ وأكيد أن هذا الموقف سيفتح صفحة جديدة في العلاقات الثنائية بين البلدين وسيشجع الدول المترددة على اتخاذ مواقف مشابهة”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق