ناشيد: دمقرطة الثقافة تحمي المغاربة .. و"أحداث الفنيدق" تجسد الهشاشة

0 تعليق ارسل طباعة

ثمّن الباحث والكاتب المغربي سعيد ناشيد “الدعم الرمزي” الذي ناله “نداء الخطوة الحرّة” الذي أطلقه رفقة الأديبة وفاء مليح، من قبيلة المثقفين والإعلاميين والصحف الوطنية وغيرها، معتبراً أنه “ثمرة نقاش طويل يحاول أن ينهض بالفعل الثقافي في بلدنا، الذي مازال يشكو من خصاص كبير يجعل مشهدنا المعرفي لا يحظى بالعناية الكافية المطلوبة”.

وقال ناشيد، في دردشة مع هسبريس حول “الأفق الممكن على المستوى البعيد لنداء مازال حتى الآن حالماً ونظرياً”، إن “التحرك على الأرض صار ضرورياً، لأن الثمن الذي ندفعه نتيجة الإقصاء أو الانتقاص من دور الثقافة غالٍ جداً على جميع الأصعدة”، مضيفاً أنه “لا يمكن الحديث عن نخب حزبية ونقابية وجمعوية قوية بدون قاعدة ثقافية متينة”، وزاد: “أساس النخب هو الثقافة، وحين تضعف الأخيرة تتهاوى الأولى”.

إن الضعف الكامن في هذا الحقل وفي دوره يضعنا، وفق الباحث، أمام “أزمة حقيقية”، مواصلاً بأن “المغرب يعيش تحولاً تكنولوجياً في مستوى الانتقال الرقمي، كما هو الحال في العالم أجمع؛ وفي ظل هذا الضعف هناك مخاطر حقيقية تتعلق بانفلاتات نراها في هشاشة تأطير الشباب والصغار، وهو ما يظهر بشكل يومي وتجسد مباشرةً في أحداث ‘الهروب الكبير’ بالفنيدق”.

وناقش صاحب “الطمأنينة الفلسفية” التحديات المتخفية وراء الانتقال الرقمي، معتبراً أنها “تحديات جارفة لن ترحم من يتخلف عنها”، وتابع: “بدلاً من التباكي والشكاوى فكرنا في أنه ينبغي علينا القيام بمبادرات، كانت بدايتها ‘نداء الخطوة الحرّة’، لكوننا نعرف أن هناك الكثير من المراكز التي تحظى بدعم كبير وتمويل بيد أنها لم تقم بشيء حتى الآن لمواجهة هذا النوع من التحديات”.

وأردف الباحث ذاته: “حان الوقت لنفعل شيئاً. لدينا ما يكفي من الإمكانيات العقلية، على الأقل بالنسبة لي كخلفية فلسفية، وبالنسبة لوفاء مليح كخلفية أدبية وروائية، تمكننا من العمل”، مضيفاً: “ستأتي نداءات في مجالات دقيقة ومتعددة، مثل مجال التعليم، لأن الكثير من أزماتنا مرتبطة بمستوى المضامين. الكثير منا لا ينتبه إلى أننا حتى الآن عندما نتحدث عن الإصلاح لم نتطرق بعد إلى المحتوى”.

وزاد المتحدث متسائلاً: “كيف ينبغي أن تكون هذه المضامين لتأهيل مواطن القرن الواحد والعشرين ونتجنب الغرق الحضاري؟ ونحن نعي أن التحديات الآن تختلف جذرياً عن تحديات القرن الماضي”، مواصلاً: “نحتاج أجوبة بخصوص أنواع الكفايات التي نحتاجها؛ وأنواع الذكاءات اللازمة لإنتاج مواطن ليس فقط مطلوباً في سوق العمل، بل أيضاً في الأهداف الأساسية للأمن والتنمية والسلام؟”.

ودعا ناشيد جميع الفاعلين إلى “تبني رؤية واضحة حول المكانة التي يجب أن تضطلع بها الثقافة، فلا يجب اختزالها فقط في نجوم ‘تيك توك’ أو نجوم عابرين؛ فهي لها دور أساسي في الدفاع عما هو إنساني، في حماية الإنسان”، مشدداً على أنه “لا يمكن تنمية البعد الإنساني فقط بالتقنيات، التي توفر بنى تحتية”، واسترسل: “المغرب يتجه نحو تحسين هذه البنى، لكن لا ننسى أنه بدون أخرى فوقية، بدون روح، وفكر، وتنمية للبعد الإنساني، ستعترضنا مخاطر”.

ولفت الكاتب المغربي المتخصص في الفكر والفلسفة إلى “أفغانستان التي كانت في خمسينيات القرن الماضي من أكثر المجتمعات تقدماً، لكن كل شيء انهار بسبب عدم الاشتغال على البنية الفوقية، أي الثقافة كقوة ناعمة حقيقية لبناء الإنسان”، مستطردا: “إننا من هذا المنظور صرنا جميعاً مهددين بالإفلاس في أي لحظة. لا يمكن الحديث عن تنمية حقيقية، وعن أمن، بدون تأهيل ما هو بشري بكل أبعاده الثقافية والفكرية والروحية”.

محرر “التداوي بالفلسفة” أورد أن “الأزمة لا تتعلق فقط بما هو اقتصادي، لأن هذه الأزمة لا تعني الكثير لطفل في 12 أو 14 من عمره”، مبرزاً أن “اليافع في هذا السن يحتاج التأطير، والحماية، وأن يكون في المدرسة”، وخلص إلى أن “مكانه هو داخل هيئات ومؤسسات اجتماعية تساهم في تنشئته؛ وبدون التأطير سنواجه انفلاتات وغرقاً في أشياء أخرى، لأننا ببساطة تركنا بياضات وفراغات”.

ودعا “نداء الخطوة الحرة” مؤسسات الدولة المعنية بالشأن الثقافي إلى “رعاية الحقل الثقافي في أبعاده الفكرية والأدبية والعلمية بكل الجدية المطلوبة، وفق رؤية إستراتيجية واسعة المدى وطويلة الأمد، وذلك بمعزل عن الحسابات السياسوية الضيقة التي ترعى مشاهير نسب المشاهدة العابرة”، مشيرا إلى “العمل على الإصلاح التربوي على أساس إدماج الرقمنة والذكاء الاصطناعي وفق مناهج تركز على تنمية الذكاء التركيبي، الذكاء العاطفي، وملكة الخيال”.

وطالبت الوثيقة ذاتها، التي اطلعت عليها هسبريس، بـ”العمل على الإصلاح اللغوي على أساس تبسيط واختزال قواعد اللغة العربية، وبما يتماشى مع حاجيات الانتقال الرقمي”، مسجلة “فتح وسائل الإعلام الرسمية وشبه الرسمية على النقاش الثقافي والفكري بإخراج فني وتواصلي يشدّ الجمهور ويوجه النقاش العمومي، تماما مثلما تفعل بعض الفضائيات الرائدة باحترافية، وذلك بعيدا كل البعد عن أكذوبة ‘هذا ما يحبه الجمهور'”، وفقها.

ونبه ناشيد ومليح في ندائهما إلى “إعادة النظر في فلسفة وسياسة الجوائز الفكرية والأدبية، التي على شحها وضحالتها فإنها لا تخدم الإنتاج الثقافي كما ينبغي أو كما يُفترض”، لافتين إلى أهمية “منح كل قطاع من قطاعات الوظيفة العمومية نسبة محددة لغاية التفرغ للعمل الثقافي، أسوة بالتفرغ النقابي والسياسي والجمعوي، وذلك وفق معايير ولوائح يتم تحديدها ومن ثم تحيينها كل عام، بناء على الإنتاجية والمردودية كذلك”.

كما طالب صاحبي النداء بـ”مراجعة معايير وطرائق تقييم عمل مراكز الدراسات، بنحو يحفزها على إنتاج الأفكار الجديدة، واقتراح المبادرات غير التقليدية، مع إشراف أكاديميين عريقين ومتعددي التكوين على مساطر التقييم والمحاسبة، على اعتبار أن الإنتاج اللامادي له معاييره الخاصة”، مضيفين “إعطاء الاعتبار لكل أشكال الإبداع الفكري والأدبي والعلمي والمعرفي والفني، انسجاما مع التحولات العالمية الجارية، وتقديرا للرؤية الملكية المعبر عنها منذ عام 2014، التي تنص على أهمية احتساب الرأسمال غير المادي كمكون أساسي”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق