السالك: الجزائر تعيش على معاداة المغرب.. ونُخَب ترفض عودة الصحراويين

0 تعليق ارسل طباعة

بعد أن كشف بعين الشاهد تفاصيل تأسيس جبهة البوليساريو ومختلف التحولات التي طرأت على هذا التنظيم الانفصالي، الذي ما زال متشبثا بخيارات غير واقعة، يعود المحجوب السالك، أحد مؤسسي البوليساريو والمنسق العام لتيار “خط الشهيد” المعارض، في الجزء الثاني والأخير من الحوار الذي أجرته معه هسبريس، ليتحدث عن أبرز التطورات التي عرفتها قضية الصحراء خلال السنوات الأخيرة، خاصة تغيير باريس ومدريد لموقفهما من هذا الصراع، وهو ما عده مكسبا دبلوماسيا كبيرا وضربة موجعة للخصوم.

ولم يفت مُحاور هسبريس أن يقف بتمعن عند مضامين الخطاب الملكي الأخير بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية، مؤكدا أن هذا الخطاب كان شاملا ودقيقا، ورسم المسارات الكفيلة بإنهاء النزاع حول الصحراء وحسمه نهائيا لصالح المغرب بقوة القانون، داعيا إلى تفعيل مضامينه، خاصة ما يتعلق بتوظيف الكفاءات للدفاع عن القضية الوطنية، منتقدا في الوقت ذاته تهميش الصحراويين العائدين إلى أرض الوطن والمطلعين على خبايا البوليساريو.

في هذا السياق أبرز القيادي السابق في الجبهة أن “نخبا في الصحراء منزعجة من العائدين، ولا تريدهم أن يعودوا إلى وطنهم كونهم يستغلون هذا النزاع”، معيبا على الدولة المغربية عدم مراقبتها ومحاسبتها لهاته النخب، رغم تأكيد تقارير مؤسسات دستورية وجود خلل في الحكامة المحلية في الأقاليم الجنوبية للمملكة، وفسر على صعيد آخر استمرار عداء الجزائر للمغرب بعقدة الجنرالات الذين يسيرون هذا البلد المغاربي من حرب الرمال التي خاضها البلدان في أكتوبر من عام 1963.

نص الحوار:

ما هو موقفك من التطورات الأخيرة التي شهدتها قضية الصحراء، خاصة الموقفين الفرنسي والإسباني؟

هذا مكسب دبلوماسي كبير يُحسب للمغرب في إطار صراعه مع الجزائر حول الصحراء، شاء من شاء وكره من كره. هو مكسب لا يُقدر بثمن لأن إسبانيا هي الدولة المعنية بهذا النزاع، وهي التي كانت تحتل الصحراء ووقعت اتفاقية مدريد وتتولى المسؤولية الإدارية فيها، وبالتالي فخروجها بموقف داعم لمغربية الصحراء هو بالتأكيد مكسب كبير وضربة موجعة للبوليساريو والجزائر.

وفرنسا هي الأخرى دولة عضو في مجلس الأمن الدولي الذي يتولى ملف النزاع حول الصحراء، واعترافها بالسيادة المغربية يعني أن القضية أخذت أبعادًا جديدة، أي أنها حُسمت لصالح المملكة المغربية.

ما هي قراءتك لمضامين الخطاب الملكي الأخير حول الصحراء؟

صراحة أعجبني الخطاب الملكي، وسيعجبني أكثر تفعيله وتطبيقه على أرض الواقع لأن الملك محمد السادس دعا إلى الكفاءة والاختصاص في اختيار الوفود والكفاءات الدبلوماسية عبر موارد بشرية مؤهلة. هذه نقطة مهمة جدًا كان المغرب يغفلها، حيث كان يُرسل إلى جنيف وإلى اللجان الأممية أشخاصًا لا يعرفون الصحراء ولا حيثيات ملفها. لذلك بات الرهان على الكفاءات أمرًا ضروريًا لحسم النزاع لصالح المغرب.

وحينما نتحدث عن الموارد البشرية المؤهلة، هناك عدد كبير من الصحراويين العائدين إلى أرض الوطن، ضمنهم أطر ودكاترة، يجب استخدامهم للترافع حول هذا الملف لأنهم معنيون ومتخصصون، وبالتالي وجب تفعيل خطاب الملك على هذا المستوى.

إلى من وجه الملك محمد السادس هذه الرسالة؟

الرسالة موجهة إلى الأحزاب وكل السلطات المغربية وكل المؤسسات (أحزاب، برلمان، حكومة) والهيئات العسكرية والمدنية. في الحقيقة حينما ترى بعض الوفود التي كانت تُرسل للدفاع عن القضية في الأمم المتحدة وفي اللجان تشعر بالحياء. لذلك دعا الملك إلى اختيار الكفاءات، والكفاءات موجودة في عشرات الأطر الصحراوية التي عادت إلى المغرب، ويجب الالتفات إليها ومساعدتها للدفاع عن القضية التي تعرفها وتؤمن بها.

هناك أيضًا نقطة ثانية مهمة أشار إليها الملك في خطابه، هي الانتقال من رد الفعل إلى أخذ زمام المبادرة. ولكي نأخذ هذه المبادرة يجب أن نعمل على جذب أناس مطلعين لمحاربة البوليساريو. سأعطيك مثالًا: شخص واحد من تيار “خط الشهيد” لا يستطيع أحد، سواء من البوليساريو أو الجزائر، أن يناظره أو يتواجه معه في أي منظمة دولية لأنه يعرف الجبهة وجرائم القيادة وكل الخلفيات والحيثيات المحيطة بملف الصحراء.

كما ذكر الملك محمد السادس أن المرحلة المقبلة تتطلب من الجميع التعبئة واليقظة لشرح أسس الموقف المغربي وتعزيزه بالحجج القانونية والسياسية والتاريخية. وأشار أيضًا إلى ضرورة تضافر جهود كل المؤسسات والهيئات الوطنية على هذا المستوى، حيث إن تعزيز التنسيق الذي دعا إليه الملك مبني على اختيار الكفاءات الصحراوية التي يجب التركيز عليها من طرف المؤسسات. لذلك كان خطاب الملك محمد السادس شاملاً وواقعياً، ويرسم المسارات الكفيلة بإنهاء هذا النزاع بالحق والقانون، ويجب فقط تفعيله.

ما هو تصورك لتفعيل هذا الخطاب بشكل سليم وناجع؟

على سبيل المثال، مشروع الحكم الذاتي يمنح كل مكونات المجتمع الصحراوي حق السيطرة على المجال وتنظيم اقتسام السلطة، ويحدد بشكل واضح الوسائل للاعتراف بالحقوق الديمقراطية للسكان في الصحراء. لكن الواقع الحالي بعيد عن هذا الأمر. وسأوضح لك، إذا أخذنا مسألة تحديد الهوية من طرف “المينورسو”، التي أفرزت أكثر من 84 ألف صحراوي لديهم الحق في المشاركة في الاستفتاء إذا نظم، فإن أكثر من نصفهم، أي أكثر من 43 ألفًا، موجودون في الأقاليم الجنوبية للمملكة.

تذكر هذا الرقم، ولنتحدث عن الواقع الميداني والأخطاء في الصحراء، حيث أكد تقرير اللجنة البرلمانية لتقصي الحقائق حول أحداث “أكديم إيزيك” في أكتوبر من سنة 2010 أن الاختلالات التي شهدتها بعض القطاعات والخروقات في مجال الحكامة المحلية، مثل توزيع حوالي 1900 بقعة أرضية وحوالي 900 بطاقة للإنعاش الوطني، إضافة إلى خروقات في مجال السكن والتزوير في مجال المحافظة العقارية للاستحواذ على الملك العام في الصحراء، وامتيازات في مجال الصيد البحري، كانت من أسباب غضب سكان الصحراء وخلق مخيم “أكديم أزيك”. وهذا الوضع ما زال قائمًا حتى الآن.

ويضيف التقرير ذاته أن السجلات العقارية حتى عام 2010 تؤكد أن الدولة المغربية وزعت 44 ألف قطعة أرضية ومسكن في العيون وحدها. وإذا قسمنا هذا العدد على الأشخاص المعنيين بتحديد الهوية الموجودين في الأقاليم الجنوبية (أي 43 ألفًا)، فهذا يعني أن كل واحد منهم كان سيحصل على مسكن وسيبقى ألف مسكن فارغ، وهذا في العيون وحدها، دون الحديث عن باقي المدن الجنوبية الأخرى. مع ذلك لم تحاسب الدولة النخب المسؤولة عن هذا الأمر حتى الآن.

من يتحمل مسؤولية هذا الوضع؟

النخب الفاسدة أولا، ثم الدولة التي لا تحاسب هذه النخب، فالإنسان الصحراوي واعٍ بهذا الأمر. وقلتُها أكثر من مرة، بدلًا من محاولة إقناع العالم بمغربية الصحراء، يجب إقناع 43 ألف صحراوي الموجودين في الأقاليم الجنوبية والمشمولين بتحديد الهوية وينتهي المشكل لأن النخب الفاسدة هي التي جعلت من هؤلاء انفصاليين، إذ لا يوجد أحد عاقل لا يعرف أن إقامة دولة في الصحراء أمر مستحيل، حتى أن العالم والدول الكبرى نفسها لا توافق على إقامة دولة بين المغرب وموريتانيا.

وأؤكد هنا أن النخب الفاسدة وعدم محاسبة الدولة لها هي التي تخلق التذمر والانفصال. لذلك إذا كانت الدولة جادة وترغب بإنهاء هذا النزاع فعليها إرضاء هؤلاء الأشخاص بدلًا من محاولة كسب نخب تعيش في النعيم. على سبيل المثال، هناك أشخاص عائدون من المخيمات لا يملكون حتى بطاقة تعريف وطنية، فما بالك بالسكن والحياة الكريمة التي ينادي بها الملك محمد السادس.

هل أفهم من كلامك أن هناك أطرافا يؤرقها ملف العائدين؟

النخبة المستفيدة من الوضع الحالي لا تريد للصحراويين أن يعودوا إلى وطنهم، بل تريدهم أن يبقوا في “الحمادة” حتى تتاجر بقضيتهم. نحن واعون بهذا الأمر. ثم إن الدولة ليست للنخبة، والأقاليم الجنوبية ليست كذلك للنخبة، بل هي للدولة. لكن النخبة في الصحراء يزعجها العائدون من المخيمات لأنهم يعودون من أجل الكرامة والعدالة والديمقراطية. هذا هو خطأ الدولة في التعامل مع هذه النخب. فالصحراء ليست فقط أرضًا ومعادن وفوسفاطًا وأسماكًا، وإنما الصحراء بأهلها، وكسبها يمر عبر كسب قلوب أهلها لأن القلوب تهاجر، أما الأرض فلا تفعل. بعبارة أخرى، التاريخ يهاجر، والجغرافيا لا تهاجر، وعلى الدولة المغربية أن تدرك هذه الحقيقة جيدًا إذا كانت فعلاً تريد إنهاء هذا النزاع، وإلا فإن الفساد نفسه الذي حاربناه في البوليساريو سنحاربه هناك، وستبقى الأمور على حالها.

ولكن الدولة صرفت المليارات من أجل تنمية الإنسان والمجال في الصحراء

لو كانت الدولة تراقب هذه الأموال لصارت الأمور أفضل بكثير. لنكن واقعيين، اليوم عندما تزور مدن العيون وبوجدور والسمارة، وتكون قد زرتها من قبل، ستلاحظ تغييرًا كبيرًا ونهضة تنموية رائعة في الأقاليم الجنوبية. فاليوم هناك تطور وبنيات تحتية وجامعات وتغيير كبير. لكن كان يمكن أن يكون ذلك بوتيرة أسرع، وأن يشمل جميع الصحراويين لو كانت هناك مراقبة حقيقية للموارد والأموال التي صُرفت، ولو كانت هناك نية صادقة لكسب قلوب الصحراويين لكان العائدون كثرا، وليبقَ حينها أولئك الذين يريدون البقاء في تندوف ليصرخوا إلى ما لا نهاية.

يعني أن كسب القلوب يمر عبر المراقبة والمحاسبة؟

الحل يمر عبر العدالة واحترام كرامة الإنسان الصحراوي وتوفير حياة كريمة له، فهو لا يريد قصورًا، بل يريد فقط حياة كريمة، وهذا أمر بسيط بالنسبة للدولة المغربية لأن الناس في المخيمات يريدون رؤية العدالة لأن ذلك يشجعهم على العودة إلى وطنهم.

وهل تظن أن الجزائر ستسمح لهم بالعودة حتى لو رغبوا في ذلك؟

حتى إن لم تتركهم، فإن الجزائر، ما دامت ضد المغرب، ستُبقي على المخيمات موجودة لاستخدامها ضد المملكة المغربية. غير أن الصحراويين الحقيقيين الموجودين في المخيمات لا تتجاوز نسبتهم 28 في المائة، وحينما يرون الظروف مواتية وأهاليهم في الصحراء يعيشون حياة كريمة سيغادرون الحمادة، أما الباقي، أي الذين ينحدرون من الجزائر وبشار وأزواد ومناطق أخرى، سيبقون قنبلة في يد الجزائر. لكن، كما قلت، على المغرب أن يوفر ظروفًا ملائمة لعودتهم.

لذلك فإن الأموال التي صُرفت كان بالإمكان إنفاقها في جذب الصحراويين. وهناك بعضهم اليوم في نواذيبو يريدون العودة، لكن ليست هناك أي تسهيلات، ولا أدري من يفيده عدم عودة الصحراويين، لكن بالنسبة لي دائمًا هي النخب الفاسدة.

سؤال أخير.. لماذا تصر الجزائر، في نظرك، على دعم الانفصال في الصحراء؟

مشكلتنا مع الجزائر هي الحقد والعقد التي ورثها جنرالات هذا البلد بعد حرب الرمال سنة 1963. هذا الإرث هو الذي يحدد علاقة الجزائر بالمغرب. فرئيس أركان الجيش الجزائري الحالي، السعيد شنقريحة، هو آخر الجنرالات المتبقين من حرب الرمال. لكن لدينا أمل نعلقه على القيادات العسكرية الجديدة التي ليست لديها هذه العقلية والحقد، والتي قد تتفهم أن التفاهم مع المغرب والعلاقات الطيبة معه هي التي يمكن أن تخدمنا جميعًا.

وهناك أيضًا عقلية سائدة لدى الحكام في الجزائر هي أن سيطرة المغرب على الصحراء تعني تطويق الجزائر. هذه عقلية راسخة لديهم، ولذلك يوظفون البوليساريو والمخيمات كوسيلة للضغط على المغرب ومنعه من تنمية دولته. بينما المغرب العربي أكبر منا جميعًا، ومكتوب علينا أن نعيش معًا أو نهلك معًا، والجزائريون يعرفون هذه الحقيقة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق