تراجع النفوذ وأوراق ضغط .. خلفيات زيارة قائد الجيش الجزائري إلى نواكشوط

0 تعليق ارسل طباعة

أجرى الفريق أول السعيد شنقريحة، رئيس أركان الجيش الجزائري، أمس الثلاثاء، زيارة رسمية إلى نواكشوط تستمر ثلاثة أيام، بناء على دعوة من الفريق المختار بله شعبان، قائد الأركان العامة للجيوش الموريتانية؛ بهدف “تعزيز التعاون بين جيشي البلدين والتباحث بشأن القضايا ذات الاهتمام المشترك”، وفقا لبيان صادر عن وزارة الدفاع الجزائرية.

وحظي المسؤول العسكري الجزائري، الذي يلقبه الكثيرون بالرجل القوي والحاكم الفعلي للجزائر، باستقبال من الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، الذي تسلم منه رسالة من نظيره الجزائري؛ في وقت يشير فيه متتبعون للشأن الأمني والعسكري في المنطقة إلى أن سياق وتوقيت الزيارة يعكسان تراجع النفوذ الجزائري في المنطقة. كما تنطوي الزيارة على مناقشة مجموعة من الملفات الساخنة؛ على رأسها ملف استباحة وكيل الجزائر في المنطقة (البوليساريو) للأراضي الموريتانية في حربها مع المغرب، إضافة إلى ملف تنامي الإرهاب وعصابات الجريمة المنظمة التي باتت تشكل تهديدا حقيقيا للأمن القومي المغاربي.

خرق الحدود والجماعات الإرهابية

في هذا الإطار، قال عبد الرحمن مكاوي، خبير عسكري واستراتيجي، إن “الزيارة الرسمية التي قادت الفريق أول السعيد شنقريحة، رئيس أركان الجيش الجزائري، إلى موريتانيا، والتي التقى خلالها بعدد من المسؤولين العسكريين، إضافة إلى الرئيس الموريتاني، تنطوي على مجموعة من الملفات الشائكة المطروحة على طاولة النقاش، وإن كان بيان وزارتي الدفاع في كلا البلدين لم يتطرقا إلى طبيعة القضايا التي ستشملها هذه الزيارة”.

وأضاف مكاوي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “هناك مجموعة من الملفات والمشاكل المطروحة بين الجزائر وموريتانيا، خاصة ما يتعلق بملف الحدود بين البلدين ومشكلة الخرق المتكرر لهذه الحدود من لدن ميليشيا البوليساريو المدعومة من الجزائر وتحويلها الأراضي الموريتانية إلى منطلق لاستهداف القوات المغربية المتمركزة على الحدود”.

وأوضح الخبير العسكري ذاته أن “السلطات في موريتانيا تعي جيدا بأن قرار السلم أو الحرب ليس بيد جبهة البوليساريو. وعليه، ستعمل على حث الجزائر أولا من أجل ضبط حدودها، والضغط على جبهة البوليساريو لوقف تحركاتها واستباحته للأراضي الموريتانية”.

ولفت المتحدث ذاته إلى أن “ملف تنامي نشاط الجماعات الإرهابية المتطرفة على الحدود بين البلدين سيكون حاضرا بقوة خلال هذه المحادثات، خاصة تنظيم جماعة أنصار الدين التي يقودها المدعو إياد أغ غالي، والذي أصدرت المحكمة الجنائية الدولية في يونيو الماضي مذكرة اعتقال دولية بحقه”، مبرزا أن “العديد من التقارير تؤكد وجود صلة بين هذا التنظيم المتطرف وبين المخابرات الجزائرية”.

وأوضح الخبير في الشؤون العسكرية أن “ملف تصاعد أنشطة عصابات التنقيب عن الذهب وتجار ومهربي المهلوسات والمخدرات الصلبة على الحدود المشتركة بين البلدين سيكون حاضرا هو الآخر، خاصة أن هذه الملفات الأمنية تقلق الجانب الموريتاني”.

وأضاف أن “ملف توغل الجيش المالي “الفاماس” في العمق الموريتاني ونشاطه على الحدود من المتوقع أن يحظى هو الآخر بنصيب من نقاش المسؤولين العسكريين في الجزائر وموريتانيا، إذ ينظر البلدان إلى تحركات الجيش المالي تهديدا لأمنهما القومي”.

تراجع النفوذ وأوراق ضغط

من جهته، أوضح هشام معتضد، باحث في الشؤون الاستراتيجية، أن “زيارة شنقريحة إلى موريتانيا تأتي في ظل تراجع واضح للنفوذ الجزائري في المنطقة، حيث تحاول الجزائر بكل السبل استعادة موقعها المفقود، لا سيما بعد التحولات الجيوسياسية الأخيرة التي جعلت من المغرب اللاعب الأكثر تأثيرا في منطقة الساحل وشمال إفريقيا”.

وأضاف معتضد، في حديث لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “هذه الزيارة تأتي كمحاولة لتعزيز التعاون العسكري بين الجزائر وموريتانيا، في وقت تشهد فيه العلاقات الجزائرية الموريتانية نوعا من الركود والتراجع أمام الضغوط الدبلوماسية المغربية الفعالة”، مشيرا إلى أن “القيادة في الرباط تواصل تحقيق أهدافها في ضبط الحدود المشتركة مع موريتانيا وتحييد التحركات غير المشروعة للبوليساريو داخل العمق الموريتاني؛ وهو ما يفرض تحديا إضافيا على الجزائر التي باتت تتخبط في استراتيجيات متباينة لاستعادة توازنها”.

وحول طبيعة الملفات المطروحة على طاولة المباحثات، أشار الباحث ذاته إلى أن “قضايا الأمن في منطقة الساحل ومحاربة الإرهاب ستكون حاضرة بقوة؛ وهي قضايا يحاول النظام الجزائري استخدامها كوسيلة للظهور كحليف استراتيجي في مواجهة التهديدات الأمنية.

وتابع بالقول: “المغرب، بتوجهاته السياسية واستباقيته الاستراتيجية، قد نجح في بناء تحالفات أقوى وأعمق في المنطقة؛ مما يضع الجزائر في موقف المدافع بعد فقدانها لرصيد مهم على المستوى السياسي إقليميا وخفوت وزنها استراتيجيا في المنطقة”.

فيما يتعلق بملف “البوليساريو”، أكد معتضد أن “الجزائر ستسعى جاهدة إلى استخدامه كورقة ضغط في محادثاتها مع موريتانيا؛ إلا أن المغرب قد تمكن من تطويق هذه التحركات بفضل عمله الدبلوماسي المتقن”، مشيرا إلى أن “التوجه السياسي المغربي يظهر بوضوح في قدرته على موازنة علاقاته الإقليمية وضمان استمرار الحوار البناء مع جميع الأطراف؛ بينما تحاول الجزائر جاهدة تأمين مكاسب متواضعة على صعيد النفوذ الإقليمي”، مسجلا أنه “على الرغم من محاولات الجزائر تعزيز تعاونها العسكري والاستخباراتي مع موريتانيا، فإن المغرب يبقى اللاعب الأكثر استقرارا وتأثيرا، بفضل حكمته السياسية وإلمامه بالتحولات الإقليمية والدولية”.

وأكد الباحث في الشؤون الاستراتيجية أن “الجزائر تجد نفسها اليوم في موقف صعب، حيث تسعى إلى توسيع نفوذها عبر استراتيجيات عسكرية واقتصادية محدودة الفعالية؛ بينما يستمر المغرب في تحقيق مكاسب دبلوماسية ملموسة تعزز من موقفه الإقليمي”، مشيرا إلى أن “قدرة المغرب على التأثير في القرارات السياسية لموريتانيا وضبط الحدود المشتركة تعكس قوة دبلوماسيته وفعاليته في حماية مصالحه الوطنية والإقليمية. في المقابل، تظهر الجزائر كمن يحاول اللحاق بالركب دون رؤية استراتيجية شاملة، حيث تعتمد بشكل رئيسي على الخطاب العسكري والأمني لتعويض خسائرها السياسية”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق