تفويض الجبال السبعة والحرب الروحية.. من هم الإنجيليون الذين يدعمون ترامب؟

0 تعليق ارسل طباعة

في أواخر يوليوز الماضي، نزل لانس والناو، أحد أبرز قادة ما يسمى بـ”حركة الإصلاح الرسولي الجديد،” من على المسرح في حدث ديني تحت خيمة كبيرة بمدينة إيوا كلير، ويسكونسن، ليضع يديه على الأشخاص الذين طلبوا الصلاة.

والناو، الذي يعتبر نفسه وفق تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال” نبيًا داخل حركة إنجيلية متنامية، شارك رؤيته عن ضرورة إعادة انتخاب دونالد ترامب لضمان مستقبل أمريكا. أمام جمهور قوامه حوالي 2000 شخص، قال والناو: “لا تظنوا للحظة أن من المستحيل أن تنحرف هذه البلاد عن مسارها وتسقط في الهاوية في نوفمبر”، مضيفًا: “هذا ممكن تمامًا، والشيء الوحيد الذي يمكنه إيقاف ذلك هو جسد مسيحي وطني منشط ومفعل”.

والناو، البالغ من العمر 68 عامًا، يعد واحدًا من أبرز الشخصيات داخل حركة “الإصلاح الرسولي الجديد”، وهي حركة دينية تجمع بين الروحانية والالتزام السياسي في إطار ما تسميه “الحرب الروحية”. يؤمن أعضاء هذه الحركة بأن المعركة ضد الديمقراطيين، الذين يرونهم كممثلين لـ”قوى الظلام”، تتطلب مواجهة سياسية ودينية حازمة. يعارض والناو الإجهاض وزواج المثليين، لكنه يعتقد أن هدفه الأسمى هو تعزيز نفوذ المسيحيين السياسي لتغيير مسار المجتمع الأمريكي.

“جولة الشجاعة”

كجزء من استراتيجيته لإعادة ترامب إلى البيت الأبيض، نظم والناو سلسلة من الأحداث تحت مسمى “جولة الشجاعة”، التي تمزج بين إحياء ديني تحت الخيام وحشد سياسي، حيث يسعى من خلالها إلى تعزيز الدعم لترامب بين المسيحيين الإنجيليين. هذه الفعاليات، التي تستهدف الولايات المتأرجحة سياسيًا، تعتبر منصة مهمة لتعبئة الناخبين المسيحيين. في أحد الأحداث التي عقدت مؤخرًا في ولاية بنسلفانيا المتأرجحة، حضر جي دي فانس، نائب ترامب، ليخاطب الحشد قائلاً: “إذا لم يخرج المسيحيون للتصويت، فلن يكون للمسيحيين صوت في هذا البلد”.

لطالما كان الناخبون الإنجيليون يمثلون قاعدة قوية للجمهوريين على مر السنين. ففي انتخابات عام 2000، حصل الرئيس جورج دبليو بوش على دعم حوالي 70% من الإنجيليين البيض، وارتفعت النسبة إلى 80% في انتخابات 2004. قدم مرشحون جمهوريون آخرون، مثل حاكم أركنساس السابق مايك هاكابي في عام 2008، والسيناتور السابق ريك سانتوروم في عام 2012، مزيجًا من المعتقدات الإنجيلية والسياسات الشعبوية لجذب هذه القاعدة، لكن دونالد ترامب استطاع استقطاب القلوب الإنجيلية رغم خلفيته غير التقليدية.

ترامب، الذي تزوج ثلاث مرات واشتهر بنمط حياة صاخب وبخلفيته في برامج الواقع، تمكن من الفوز بقلوب الناخبين الجمهوريين في انتخابات 2016 متفوقًا على شخصيات سياسية أكثر تدينًا مثل هاكابي وسانتوروم وتيد كروز، نجل القس الإنجيلي. كان والناو واحدًا من أوائل الداعمين لترامب، حيث قدم نبوءات دعمت ترشحه في عام 2015، في وقت كان فيه العديد من الإنجيليين يشككون في ولاء ترامب للمسيحية.

“دعم إنجيلي”

ماثيو تايلور، الباحث المتخصص في “حركة الإصلاح الرسولي الجديد”، يقول إن والناو لعب دورًا محوريًا في توفير تبرير لاهوتي لدعم الإنجيليين لترامب. ويضيف تايلور: “والناو كان بالفعل مشهورًا، لكنه أصبح نجمًا إنجيليًا عملاقًا من خلال دعمه لترامب واستخدام أفكاره اللاهوتية لتبرير ترشيحه”. ويرى تايلور أن دعم والناو لترامب تجاوز حدود السياسة ليصبح تأييدًا لـ”حرب روحية” ضد ما يعتبره أيديولوجيات يسارية تهدد القيم المسيحية.

تايلور يصف والناو بأنه “متعصب مسيحي” يسعى إلى هدم الجدار الفاصل بين الكنيسة والدولة. في مقابلة، نفى والناو هذه الاتهامات، قائلاً إنه لا يدعو إلى سيطرة المسيحيين على المجتمع، بل يسعى إلى تعزيز تأثير المسيحيين. وأضاف: “أنا أدعم الأشخاص الذين يمتلكون رؤية مسيحية للعالم، حتى لو لم يكونوا إنجيليين ملتزمين، مثل ترامب. إذا كان ترامب أفضل منا في ذلك، فسأدعمه”.

وتعتمد الحملات الانتخابية الجمهورية على الناخبين الإنجيليين، حيث يعد هؤلاء الناخبون من أهم قواعد دعم الحزب الجمهوري. في هذا السياق، يقول الناشط السياسي المسيحي رالف ريد، الذي يقود “ائتلاف الإيمان والحرية”، إنه يهدف هذا العام إلى جمع وإنفاق 62 مليون دولار لتعبئة الإنجيليين الذين نادرًا ما يصوتون. وفقًا لريد، هناك حوالي 14.5 مليون ناخب إنجيلي لا يشاركون في الانتخابات بشكل منتظم، ولذلك تم طرق 4.2 مليون باب حتى الآن للوصول إلى هؤلاء الناخبين، مع هدف نهائي للوصول إلى 10 ملايين.

لكن والناو، المقيم في دالاس، يعتمد على أسلوب مختلف في النشاط السياسي. فهو لا يقود كنيسة كبيرة مثل بعض القادة الإنجيليين الآخرين، مثل المبشر التلفزيوني جويل أوستين أو القس ريك وارين. بدلاً من ذلك، يعتمد والناو بشكل كبير على الإنترنت للوصول إلى مؤيديه. عبر قناته على يوتيوب وصفحته على فيسبوك، التي تقول المنصة إنها تضم مليون متابع، يصل والناو إلى ملايين الأشخاص من خلال البودكاست الخاص به، ما يجعله واحدًا من أكثر الشخصيات تأثيرًا في المسيحية الإنجيلية اليوم.

تفويض الجبال السبعة

وسائل التواصل الاجتماعي كانت عاملًا أساسيًا في دعم نمو حركة “الإصلاح الرسولي الجديد”، وربط آلاف الكنائس الكاريزمية غير الطائفية في شبكة فضفاضة. وفقًا لتود جونسون من قاعدة بيانات المسيحية العالمية، فإن الكنائس المستقلة الكاريزمية تضم حوالي 33 مليون عضو في الولايات المتحدة، وهي من أسرع الحركات نموًا في المسيحية الأمريكية. ومن بين هؤلاء، حوالي 10% يتبنون أفكارًا ونهجًا مشابهًا لحركة الإصلاح الرسولي الجديد.

يتمتع والناو بموهبة في تحويل المفاهيم اللاهوتية المعقدة إلى شعارات سهلة الفهم، مما يجعله رمزًا للجيل الجديد من الإنجيليين. يقدم والناو مفاهيم مثل “الحرب الروحية” ضد الأيديولوجيات اليسارية التي يصفها بأنها تهدد المجتمع الأمريكي، ويعتقد أن ترامب هو الأداة التي اختارها الله لمواجهة تلك الأيديولوجيات. في عام 2015، عندما كان العديد من الإنجيليين يشككون في ولاء ترامب لقيمهم، نشر والناو كتابه “مرشح الله الفوضوي”، حيث قارن فيه ترامب بالملك الفارسي كورش، الذي لم يكن مؤمنًا بالله لكنه اختير لتحرير اليهود.

واحدة من الأفكار الرئيسية التي يروج لها والناو هي مفهوم “تفويض الجبال السبعة”، وهي دعوة للمسيحيين لتولي القيادة في سبعة مجالات رئيسية في المجتمع: الأسرة، الدين، التعليم، الإعلام، الفنون والترفيه، الأعمال، والحكومة. يؤمن والناو بأن السيطرة على هذه الجوانب السبعة ستسمح للمسيحيين بإعادة تشكيل المجتمع وفقًا للقيم المسيحية. يرى والناو أن ترامب كان قد غزا بالفعل اثنين من هذه الجبال – الأعمال والإعلام – قبل وصوله إلى الحكومة في عام 2016، مما يجعله مرشحًا مثاليًا لقيادة الحكومة.

يصف والناو السياسة الأمريكية بأنها معركة بين الخير والشر، وكثيرًا ما تتسم عظاته بنبرة نهاية العالم الملحة. ويقدم والناو دورة تدريبية تسمى “يسوع في الزمن الأخير”، والتي يعتقد أنها ستوقظ المؤمنين على “التجلي الحقيقي ليسوع في هذه الأيام الأخيرة”.

انتفاضة شعبوية

بعد الانتخابات الرئاسية لعام 2020، انضم والناو إلى مجموعة من قادة حركة الإصلاح الرسولي الجديد الذين دعموا طعون ترامب الانتخابية. نظموا مسيرات “أريحا” في واشنطن وعواصم الولايات، استنادًا إلى القصة التوراتية التي حاصرت فيها قوات يشوع مدينة أريحا حتى سقطت جدرانها. من على المسرح في إحدى تلك المسيرات في واشنطن العاصمة، قال والناو: “نعلم أن الانتخابات سُرقت”، مضيفًا: “هذه بداية انتفاضة مسيحية شعبوية… لن يستطيعوا تجاهلكم”.

والناو كان في واشنطن يوم 6 يناير 2021، اليوم الذي شهد هجومًا على مبنى الكابيتول. وعلى الرغم من أنه لم يكن موجودًا أثناء الشغب، إلا أنه مازح الجمهور قائلاً: “كنت أشعر بالبرد، وكنت متجمدًا، لذلك ذهبت إلى فندق ترامب وتناولت حساء الطماطم”.

بينما يواصل والناو تنظيم جولاته الدينية والسياسية، فإن تأثيره في حركة الإصلاح الرسولي الجديد وفي المشهد السياسي الأمريكي لا يزال يتزايد. ينظر إليه مؤيدوه على أنه نبي وقائد روحي، بينما يراه منتقدوه كخطر على الديمقراطية الأمريكية من خلال دعواته لتقويض الجدار الفاصل بين الكنيسة والدولة. في نهاية المطاف، يشكل والناو نموذجًا جديدًا من القيادة الإنجيلية التي تجمع بين الدين والسياسة بشكل غير مسبوق، مما يجعله أحد اللاعبين الرئيسيين في الانتخابات الرئاسية القادمة.

مع اقتراب الانتخابات، يواصل والناو حشد مؤيديه للدفاع عن ترامب وإعادة انتخابه، وسط معركة يراها على أنها ليست مجرد سياسية، بل معركة روحية تسعى لحماية أمريكا من التهديدات التي تمثلها الأيديولوجيات اليسارية

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق