مناورات "شيبيك 2024" العسكرية تمهد لتزود البحرية المغربية بغواصات فرنسية

0 تعليق ارسل طباعة

أكدت السفارة الفرنسية في المغرب، ضمن بلاغ نشرته على صفحتها الرسمية على موقع “فيسبوك”، وصول الفرقاطة الشبح الفرنسية “أكونيت” إلى ميناء الدار البيضاء، وذلك في إطار المناورات السنوية “شيبيك 2024” التي تقام في الفترة الممتدة من 7 أكتوبر إلى 13 منه، بين البحرية الملكية المغربية ونظيرتها الفرنسية، انطلاقا من ميناء الدار البيضاء وصولا إلى قاعدة تولون جنوبي فرنسا.

في هذا الإطار، أكد كريستوف لوكورتييه، سفير الجمهورية الفرنسية المعتمد لدى المملكة المغربية، الذي حضر حفل استقبال القوات الفرنسية والمغربية على متن الفرقاطة الشبح الفرنسية، أن المغرب وفرنسا “يحملان مجموعة من الهموم المشتركة، ويعملان معا على حماية المساحات البحرية الهائلة في كل من البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، من خلال تطوير التعاون التشغيلي بين قواتهما البحرية”.

من جهتها، أشارت تقارير إعلامية فرنسية إلى أن باريس ستقوم بإشراك غواصة هجومية نووية متمركزة في قاعدة تولون البحرية، لأول مرة في تاريخ هذه المناورات التي تهدف إلى تعزيز التعاون العملياتي بين جيشي البلدين لمواجهة التحديات التي يواجهها الأمن البحري على الضفتين المتوسطية والأطلسية. فيما اعتبر خبراء استراتيجيون وعسكريون أن تعبئة أسلحة نوعية جد متطورة لهذه التمارين، “دليل على الثقة التي تحظى بها الرباط في العقيدة العسكرية الفرنسية، ومقدمة لاقتناء المغرب قطعا عسكرية فرنسية متطورة، خاصة الغواصات والمسيرات البحرية”.

تحديات بحرية واهتمام مغربي

في هذا الإطار، قال عبد الرحمن مكاوي، خبير في الشؤون العسكرية أستاذ جامعي بفرنسا، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية إن “إشراك غواصة نووية في مناورات شيبيك 2024 بين البحريتين الفرنسية والمغربية، يكتسي أهمية استراتيجية كبيرة؛ بالنظر إلى كون منطقتي البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي تطرحان مجموعة من التحديات بالنسبة للقوات المشرفة عليها. وبالتالي، فإن إشراك أسلحة نوعية ومتطورة في هذه المناورات يشكل قيمة مضافة في التدريبات والتكوينات البحرية المشتركة بين البلدين”.

وأشار مكاوي إلى أن “الملك محمدا السادس، القائد الأعلى رئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية، كان قد أعطى تعليماته بتحويل العقيدة العسكرية من البر إلى البحر، في إطار اهتمام القيادة المغربية بالمجال البحري كعمق استراتيجي للمملكة المغربية وكأساس للأمن القومي المغربي”، مضيفا أن “هناك اهتماما كبيرا بتطوير سلاح البحرية المغربية منذ أواخر التسعينات، بحيث أصبحت القوات البحرية اليوم تتوفر على أسلحة جد متطورة، على رأسها الفرقاطات والسفن والبوارج التي اقتناها المغرب من مجموعة من الدول مثل فرنسا وإسبانيا وهولندا”.

ولفت الخبير العسكري إلى وجود “تسريبات غير مؤكدة تشير إلى اهتمام المغرب باقتناء غواصات فرنسية. هذه التسريبات يدعمها إشراك هذه الغواصة النووية في المناورات البحرية المشتركة، خاصة وأن فرنسا طورت في السنوات الأخيرة غواصات متقدمة، كما أن هناك إقبالا كبيرا على الصناعات الدفاعية الفرنسية، خاصة البحرية منها، من قبل عدد من دول العالم. ولا ننسى أن فرنسا اليوم هي ثاني أقوى بحرية على المستوى العالمي، إذ تمتلك قطعا بحرية جد متطورة مثل غواصات باراكودا وسكوربين، وكاسحات الألغام من طراز أوريون وليغل، ثم الفرقاطات القتالية وغيرها من الأسلحة البحرية المتطورة”.

وقال المتحدث إن “المغرب سيسعى بكل تأكيد إلى امتلاك غواصات فرنسية متطورة، إضافة إلى المسيرات البحرية التي تنتجها فرنسا بكثافة وتحظى باهتمام عدد من الدول نظرا لتكلفتها المنخفضة من جهة، وقدراتها التدميرية الهائلة من جهة أخرى”، مشيرا إلى أن “الجيش الجزائري يمتلك ثماني غواصات روسية الصنع من طراز كيلو 877 وكيلو 636، غير أن هذه الغواصات أصبحت غير فعالة في ظل تطور تكنولوجيا الدفاع البحري”.

على صعيد آخر، استحضر مكاوي أن “هذه المناورات تأتي أيضا في سياق تأمين المبادرة الأطلسية الأخيرة التي أطلقها المغرب لفائدة الدول الإفريقية المعزولة، وتوفير البيئة الأمنية المناسبة لتنفيذها على أرض الواقع، في ظل التهديدات التي يواجهها المجال البحري الأطلسي، خاصة خليج غينيا الذي يشهد ارتفاعا في أنشطة القرصنة البحرية وتنامي نشاط الكارتيلات المكسيكية والكولومبية التي تعمل في تهريب الكوكايين”.

شراكة استراتيجية وتوازن القوى

تفاعلا مع الموضوع ذاته، قال هشام معتضد، باحث في الشؤون الاستراتيجية مقيم في كندا، إن “إشراك غواصة نووية فرنسية في المناورات البحرية المشتركة بين المغرب وفرنسا، يعد تطورا دالا على تعميق التحالفات الاستراتيجية بين البلدين، إذ تتجاوز هذه المناورات البُعد العسكري التقليدي لتصبح أداة دبلوماسية تهدف إلى تعزيز مكانة المغرب كفاعل رئيسي في استقرار منطقة البحر الأبيض المتوسط”، مضيفا أن “فرنسا تبرز من خلال هذه الخطوة أهمية المغرب كشريك استراتيجي في المنطقة، وتظهر نوايا البلدين لتعزيز التعاون في مواجهة التحديات الأمنية المشتركة التي تشمل مكافحة الإرهاب، والهجرة غير الشرعية، والقرصنة البحرية”.

وأضاف معتضد، في حديث لهسبريس، أن “هذا التطور يتزامن مع سياق سياسي دولي متوتر في منطقة شمال إفريقيا، خاصة في ظل التنافس الإقليمي المتزايد بين المغرب والجزائر”، مؤكدا أن “مستقبل التعاون العسكري بين المغرب وفرنسا يبدو واعدا في ضوء التطورات الأخيرة، خاصة مع إدراج معدات عسكرية متقدمة في مناورات Chebec، حيث يشير هذا التعاون إلى مرحلة جديدة من التكامل العسكري، يتطلع خلالها البلدان إلى تعزيز قدراتهما المشتركة في مواجهة التحديات الأمنية، ومن المتوقع أن يشمل هذا التعاون مجالات أخرى مثل تبادل المعلومات الاستخباراتية، وتدريبات القوات الخاصة، وتطوير قدرات البحرية المغربية بشكل أكبر”.

وشرح الباحث في الشؤون الاستراتيجية أنه “يمكن تحليل هذا التطور من خلال نظرية [التبعية المتبادلة المعقدة]، إذ تعتمد الدول على بعضها بعض في المجالات الأمنية والاقتصادية لتحقيق الاستقرار الإقليمي والدولي. فبينما يوفر المغرب موقعا استراتيجيا وثقلا دبلوماسيا في المنطقة، تقدم فرنسا الدعم التكنولوجي والعسكري اللازم لتعزيز الأمن المشترك، إذ يؤسس هذا النموذج لتحالف طويل الأمد يتجاوز التغيرات السياسية الظرفية”.

وبيّن المتحدث لهسبريس أن “إشراك أسلحة نوعية في هذه المناورات يعزز تواجد المغرب في التحالفات الدولية ويعطيه دورا أكبر في عمليات الأمن البحري في البحر المتوسط؛ فالدول التي تمتلك تقنيات متطورة تعتبر أكثر قدرة على التعامل مع التهديدات المعقدة مثل الإرهاب البحري والقرصنة، مما يعزز مكانة المغرب كدولة محورية في هذا السياق”، مضيفا أن “إشراك غواصة نووية في المناورات البحرية قد يشير إلى احتمال كبير أن يسعى المغرب في المستقبل لتطوير أو امتلاك قدرات غواصات مشابهة، خصوصا في ظل التنافس العسكري مع محيطه الإقليمي، بما يعزز التوازن الاستراتيجي في المنطقة”.

وخلص معتضد إلى أن “هذا التوجه يمكن قراءته من خلال نظرية [توازن القوى] (Balance of Power) التي تشير إلى أن الدول تسعى إلى تعزيز قدراتها العسكرية للحفاظ على التوازن مع منافسيها الإقليميين”، مشددا على أن “امتلاك المغرب غواصات سيكون خطوة ضمن هذه الاستراتيجية التي تهدف إلى تحقيق توازن مع الجزائر، مما يساهم في الاستقرار الإقليمي عبر تقليل فرص اندلاع الصراعات البحرية”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق