كيف يعزز المغرب ثقة المستثمرين الأجانب عبر ضمانات "العدالة التجارية"؟

0 تعليق ارسل طباعة

سلط تقرير صادر عن البك الدولي حول مناح الاستثمار والأعمال الضوء على أهمية التقدم الذي حققه المغرب في مجال العدالة التجارية، بما في ذلك إحداث محاكم متخصصة، ما مكن المملكة من تحصيل رصيد 44 نقطة من أصل 100 ضمن مؤشر الأداء حسب المجالات، المرفق بتقرير “Business Ready (B-Ready)”، مستفيدة من تأثير الإطار التشريعي الذي دخل حيز التنفيذ خلال السنة ما قبل الماضية، المتمثل في القانون 95.17 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية.

ويعتبر تذييل الأحكام الأجنبية بالصيغة التنفيذية في المحاكم بالمغرب، من أهم التحديات التي تعزز مخاوف المستثمرين الأجانب، المستترة في المثل الشائع “رأس المال جبان”، ذلك أن العدالة التجارية تمثل ضمانة حقيقية بالنسبة إلى المستثمرين والمقاولات الراغبة في ولوج السوق المغربية، إذ إن سرعة حل النزاعات ونجاعة الوسائل القانونية البديلة (التحكيم والوساطة) تشكلان عامليْ جذب رئيسيين، من شأنهما التشجيع على نقل وتحويل مبالغ مالية مهمة من الخارج إلى المملكة لغايات تمويل الاستثمارات.

ووفقا للمواد من 430 إلى 432 من قانون المسطرة المدنية، فإن الأحكام الصادرة عن المحاكم الأجنبية لا يمكن تنفيذها تلقائيا في المغرب، بل يجب أن تتم المصادقة عليها من قبل المحاكم المغربية عبر إجراءات قانونية تُعرف بـ”التذييل بالصيغة التنفيذية” أو “Exequatur”، حيث تعطي هذه الإجراءات الحجية القانونية للتطبيق على تراب الدولة المراد سلوك مسطرة التنفيذ فوق أراضيها، وذلك بناء على حكم قضائي صادر عن جهة مختصة بعد سلوك مسطرة تمثل مظهرا من مظاهر سيادة الدولة التي سينفذ ذلك الحكم فوق ترابها.

جاذبية الاستثمارات الأجنبية

يعتبر إجراء تذييل الأحكام بالصيغة التنفيذية من بين هذه الآليات التي يعتمد عليها المغرب لتسهيل التبادلات الاقتصادية مع المستثمرين الأجانب، حيث يمنح هذا الإجراء، الذي يعزز الجاذبية الاستثمارية للمملكة، القوة التنفيذية للأحكام القضائية الصادرة في الخارج، ذلك أنه في سياق الأعمال التجارية، تُعد الآلية المذكورة ضرورية لضمان الأمن القانوني للمستثمرين، وتعزيز مكانة وجاذبية الوجهة التجارية المغربية. كما تلعب دورا مركزيا في ضمان الأمن القانوني للتبادلات الدولية، فهي تتيح للمستثمر أو الشركة الأجنبية التي حصلت على حكم لصالحها في بلدها الأصلي، الاعتراف بهذا الحكم وتنفيذه داخل التراب الوطني.

وأوضح منير مسعودي، محامي أعمال بمكتب للمحاماة بالدار البيضاء، أن “من الناحية الإجرائية، فإن طلب تذييل الحكم بالصيغة التنفيذية يقدم إلى المحكمة الابتدائية المختصة محليا، وغالبا ما تكون المحكمة الموجودة في مكان إقامة المدعى عليه، أو حيث توجد الأصول المراد تنفيذ الحكم عليها”، مشيرا إلى أن عملية تذييل الحكم يفترض أن تنطلق من تقديم الطلب، حيث يجب على الطرف الذي يرغب في الحصول على الصيغة التنفيذية إعداد طلب مرفق بنسخة من الحكم الأجنبي، وشهادة بعدم الطعن أو أي مستند يثبت أن الحكم أصبح نهائيا، وكذا بترجمة معتمدة للحكم إذا كان مكتوبا بلغة أجنبية، فيما تقوم المحكمة المغربية بفحص الطلب والتحقق من الشروط القانونية، علما أن القاضي يضمن في هذه الحالة التحقق من اختصاص المحكمة الأجنبية، وغياب الاحتيال، واحترام النظام العام المغربي، قبل أن يمنح الحكم الصيغة التنفيذية، بعد استيفاء جميع الشروط، ما يسمح بتنفيذه في المغرب. وفي حال الرفض، يمكن استئناف القرار أمام محكمة الاستئناف.

واستدل مسعودي، في تصريح لهسبريس، بحالة فوز شركة أجنبية بتحكيم تجاري دولي، إذ يمكنها أيضا تقديم طلب للحصول على الصيغة التنفيذية في المغرب، وفقا لأحكام اتفاقية نيويورك لسنة 1958 التي صادقت عليها المملكة، حيث يعزز هذا الاعتراف بالأحكام التحكيمية مكانة المملكة كدولة داعمة للتحكيم الدولي، وهو عامل مهم لجذب الاستثمارات، مشددا في السياق ذاته على أنه رغم الفوائد العديدة، إلا أن إجراءات تذييل الأحكام بالصيغة التنفيذية لا تخلو من تحديات، تتمثل في بطء الإجراءات القضائية، ما تترتب عنه تكاليف إضافية على المستثمرين والشركات الأجنبية، بالإضافة إلى تعقيد الإجراءات الإدارية.

ضمانات العدالة التجارية

تشكل إجراءات تذييل الأحكام بالصيغة التنفيذية في مجال العدالة التجارية بالمغرب أداة قانونية حيوية، تساهم في تطوير مناخ الأعمال وجذب الاستثمارات الأجنبية، من خلال تسهيل تنفيذ الأحكام التجارية الأجنبية، إذ تعزز هذه الأداة الأمن القانوني بالمغرب، وتشجع على زيادة الاستثمارات، وتدعم اللجوء إلى التحكيم الدولي، إلا أنه من أجل تحقيق أقصى استفادة من هذه الإجراءات، ما زالت السلطات مطالبة بالعمل على تحسين فعالية وسرعة الإجراءات القضائية، وتبسيط المساطر الإدارية بما يتيح للمملكة إمكانية مواصلة تعزيز مكانتها كفاعل رئيسي في التجارة الدولية، وكمركز إقليمي للأعمال.

وبالنسبة إلى نزار محمدي علوي، مستشار قانوني متخصص في تدبير المنازعات التجارية، فإن وجود إطار قانوني واضح لتذييل الأحكام الأجنبية في القضايا التجارية يعد عاملا رئيسيا في طمأنة المستثمرين الأجانب موضحا، في تصريح لهسبريس، أن تمكين المستثمرين من تنفيذ الأحكام الصادرة في بلدانهم أو من قبل محاكم دولية، يقلل من المخاطر القانونية التي قد يواجهونها، ما يضمن احترام العقود والتعهدات حتى في حالة حدوث نزاعات، مؤكدا أن الأمن القانوني الذي توفره إجراءات تذييل الأحكام بالصيغة التنفيذية يساهم بشكل كبير في رفع وتسريع تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة، إذ يفضل المستثمرون البلدان التي يعرفون أن حقوقهم ستحظى فيها بالحماية، خاصة في ما يتعلق بتسوية النزاعات التجارية.

وأضاف محمدي علوي في السياق ذاته أن المغرب تمكن خلال السنوات الأخيرة من التمركز وجهة تجارية إقليمية جذابة بفضل سياسته الداعمة للأعمال، وكفاءة إجراءات تذييل الأحكام، وموقعه الجغرافي الاستراتيجي، والاتفاقيات التجارية التفضيلية التي تجمعه مع كتل اقتصادية مهمة، مثل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والعديد من الدول الإفريقية، موضحا أن تنفيذ الأحكام الأجنبية ساهم في تعزيز هذه المكانة، من خلال توفير أمان قانوني إضافي للشركات الدولية، مشددا على أن هذا النوع من الإجراءات شجع على اللجوء إلى التحكيم الدولي كآلية لحل النزاعات، ذلك أنه من خلال الاعتراف بالأحكام التحكيمية الأجنبية وتنفيذها، أرسلت المملكة إشارة قوية إلى المستثمرين بتوفير بدائل فعالة لمحاكمهم الوطنية فيما يخص تسوية النزاعات.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق