تغطية فواتير التضخم المتفاقمة ترفع إقبال المغاربة على "العمل الموازي"

0 تعليق ارسل طباعة

لم تعد مؤشرات النمو الاقتصادي أو التضخم الإيجابية تعني شيئا للمغاربة، في ظل تزايد حجم الصعوبات التي يواجهونها في تلبية احتياجاتهم الضرورية. يتعلق الأمر بشعور متصاعد بالاستياء والعجز بدأ يتسلل إلى الأجراء والموظفين، أهم مورد ضريبي للدولة فيما يتعلق بالضريبة على الدخل، بعد التأكد من محدودية أجورهم في مواكبة النمو المتواصل لأسعار السلع والخدمات؛ ما عزز توجها جديدا في صفوفهم، لم يستثنِ مستوى أجر أو سلم إداري، بضرورة البحث عن عمل موازٍ لضمان توازن المداخيل والنفقات الشهرية.

وحتى تتضح الصورة أكثر بشأن الوضعية المالية التي يعشيها الأجراء والموظفون، فالمندوبية السامية للتخطيط لم تُخف، في مذكرة إخبارية بشأن نتائج بحث الظرفية لدى الأسر، صادرة عنها في يوليوز الماضي، واقع حال الأسر وتوقعاتها المستقبلية، حيث بلغ معدل تلك التي صرحت بتدهور مستوى المعيشة خلال الـ12 شهرا الماضية 82.6 في المائة، بينما عبرت نسبة 13 في المائة عن استقراره، وأكدت نسبة 4.4 في المائة الأخرى تحسنه، ليستقر رصيد هذا المؤشر في مستوى سلبي بلغ ناقص 78.2 نقطة، مقابل ناقص 78.1 نقطة خلال الفصل الأول من السنة الجارية.

ووجد مغاربة في العمل الموازي فرصة لتحقيق الاستقلال المالي؛ فعدد كبير منهم، خاصة الأجراء والموظفون الجدد، يرغب في التحرر من القيود التي يفرضها دخل واحد؛ ذلك أن الفرص المتاحة من خلال العمل الحر freelance والتجارة الإلكترونية أو حتى الاستشارة والخدمات الشخصية تسمح لهم بتنويع مصادر دخلهم وتحسين وضعهم الاقتصادي لمواجهة تداعيات التضخم وأزمات مثل “كورونا”، علما أن الضغوطات الحالية على ميزانيات الأسر أفقدتها القدرة على الادخار؛ ما يظهر من خلال تصريح نسبة 90.2 في المائة منها بعجزها عن الادخار خلال الـ12 شهرا المقبلة، حسب المذكرة المشار إليها.

معادلة المداخيل والنفقات

تتمركز محاولات تحقيق معادلة المداخيل والنفقات محركا مباشرا للإقبال المتنامي على العمل الموازي من قبل الأجراء والموظفين الراغبين في توسيع مداخيلهم لتغطية فوارق الأسعار الإضافية في السلع والخدمات، ومواكبة تطور حجم الطلب الداخلي، الذي بات يقود سيرورة النمو الاقتصادي بالمغرب.

واستأثرت المدن الكبرى بهذا الإقبال، بعدما أظهرت الأجور محدوديتها في تغطية الاحتياجات الأساسية، مثل السكن والمأكل والتعليم والرعاية الصحية؛ ما جعل البحث عن دخل إضافي لسد الاحتياجات حلا طبيعيا أملته الضرورة، وموجة التضخم التي ما زالت تداعياتها مستمرة.

بالنسبة إلى محمد يازيدي شافعي، خبير اقتصادي، فإن مواجهة ارتفاع التضخم وتراجع القدرة الشرائية فرضت على العديد من الأجراء والموظفين اللجوء إلى العمل الموازي أو ما يعرف بـ”الوظيفة الثانية” كمصدر إضافي للدخل.

وأوضح يازيدي شافعي أن أحد أبرز هذه الأنشطة أخيرا هو العمل كسائقين في تطبيقات النقل الحضري مثل “إندرايف” و”يانغو” وغيرهما، مشددا على أن العمل الموازي أصبح يتيح للأفراد تحقيق دخل إضافي لمواجهة الارتفاع في تكاليف المعيشة خاصة في المدن الكبرى؛ مثل الدار البيضاء والرباط، حيث تكون تكاليف الحياة أعلى.

وأضاف الخبير الاقتصادي، في تصريح لهسبريس، أنه “من منظور اقتصادي، فالعمل الموازي يعتبر حلا فعالا على مستوى الفرد والأسرة للتكيف مع الظروف الاقتصادية الصعبة؛ فهو يزيد الدخل الإجمالي للأسر بشكل ملموس، حيث قد يساهم هذا العمل الإضافي في تغطية جزء من تكاليف المعيشة؛ مثل الكراء والطعام والنقل، وحتى التعليم والصحة”.

وأكد المتحدث ذاته أن العمل الموازي يساعد في تعويض الركود في الأجور، حيث يتيح العمل كـ”سائق تطبيقات” للأفراد فرصة تحقيق دخل يتراوح بين 3 آلاف درهم و5 آلاف شهريا. كما يتيح مرونة في العمل، حيث يمكن للموظف أو الأجير التحكم في ساعات عمله؛ ما يسمح له بالعمل بعد دوامه الرسمي أو خلال عطلات نهاية الأسبوع، ما يمكنه من تجنب التأثير السلبي الكبير على التزاماته الأساسية في وظيفته.

تداعيات اقتصادية ونفسية

يعتبر العمل الموازي حلا قصير الأمد للتعامل مع ضغوطات التضخم وتكاليف المعيشة المرتفعة؛ لكنه يأتي مع تحديات وآثار جانبية تستدعي معالجة أكثر شمولية، من خلال سياسات اقتصادية واجتماعية تعزز استدامة القدرة الشرائية وتضمن الحماية الاجتماعية للعاملين، على أساس أن الإطار التشريعي الحالي المنظم للشغل يتضمن مجموعة من الثغرات التي تساهم في تغذية القطاع غير المهيكل وتحرم الدولة من مداخيل جبائية مهمة عن الضريبة على الدخل أساسا؛ ذلك أن أغلب ممتهني العمل الموازي يضطرون إلى الاشتغال في “النوار” وما يرافق ذلك من ضغوط مالية ونفسية على صحتهم.

وفي هذا الصدد، أوضح عمر لمتوني، باحث في علم النفس الاجتماعي، في تصريح لهسبريس، أن الأجراء والموظفين الذين يضطرون إلى امتهان عمل مواز قد يواجهون إرهاقا شددا بسبب تداخل المهام على المدى الطويل، مؤكدا أن هذا الوضع قد يؤثر على الإنتاجية في الوظيفة الأساسية وكذلك على الصحة الجسدية والعقلية.

وأشار الباحث في علم النفس الاجتماعي إلى أن زيادة ساعات العمل تقلل من وقت الترفيه والوقت الذي يقضيه الشخص مع أسرته؛ ما يؤدي إلى خلل في التوازن بين الحياة الشخصية وبين الحياة المهنية، منبها إلى أن الكثير من الأعمال الموازية تكون غير رسمية، كالعمل غير المعلن.. وبالتالي فممارسوه لا يدفعون ضرائب على هذا الدخل، ولا يساهمون في الضمان الاجتماعي؛ الأمر الذي يطرح مشاكل طويلة الأمد، خاصة في التقاعد.

وأكد لمتوني، في السياق ذاته، أن بعض المغاربة يتخذ عملا ثانيا ليس فقط لأسباب مالية؛ ولكن أيضا لتحقيق ذاته شخصيا، مشددا على أن الكثير منهم يرى في العمل الموازي وسيلة لاستغلال مهاراتهم أو شغفهم أو مواهبهم في مجالات تهمهم، ولكنها ليست بالضرورة مرتبطة بوظيفتهم الأساسية.

وأوضح المتحدث عينه أن “هناك أنواعا عديدة من العمل الموازي. وبالنسبة إلى البعض، فهذا العمل يمكن أن يكون خطوة نحو ريادة الأعمال، حيث يبدؤون بقبول مهام كعمال مستقلين، ثم يقررون العمل لحسابهم الخاص؛ ما يمثل فائدة مهمة بالنسبة إليهم، عند ترك وظائفهم الأساسية، حيث يعتمدون على أنفسهم وقد يتجهون إلى الاستشارات أو العمل الحر مع العديد من الشركات في الوقت نفسه دون ضمان وظيفة ثابتة”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق