في ذكرى إحياء اللغة العبرية.. كيف تحولت من طقوس دينية إلى هوية قومية؟

0 تعليق ارسل طباعة

الاحد 13 أكتوبر 2024 | 08:23 مساءً

كتب : عامر عبدالرحمن

في عام 1881، بدأ إحياء اللغة العبرية بشكل جاد عندما اتفق إليعازر بن يهودا وأصدقاؤه على استخدامها حصريًا في محادثاتهم. 

هذه الخطوة كانت بداية لحركة لغوية وثقافية تهدف إلى تحويل العبرية من لغة دينية مكتوبة إلى لغة محكية، لتصبح لاحقًا اللغة الرسمية لدولة إسرائيل الحديثة. 

لم تكن هذه العملية لغوية بحتة؛ بل كانت جزءًا من مشروع قومي مرتبط بالصهيونية وتأسيس دولة إسرائيل عام 1948.

مراحل الإحياء والتطور اللغوي

بدأت عملية إحياء اللغة العبرية في أوروبا في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. فبعد أن كانت العبرية تُستخدم فقط في الطقوس الدينية والكتابات الدينية اليهودية، مثل التوراة والميشناه، تم توسيع نطاق استخدامها ليشمل مجالات أخرى من الحياة اليومية. 

وقد شهدت هذه العملية تطورات لغوية هامة، حيث تم دمج عناصر من العبرية القديمة مع اللغات الأوروبية الأخرى، أبرزها اليديشية، مما أضاف مرونة إلى اللغة الحديثة.

تُعد اللغة العبرية الحديثة مثالاً فريدًا على لغة كانت في السابق شبه بائدة، لتصبح لاحقًا لغة وطنية يتحدثها الملايين. 

على الرغم من جهود قادة حركة الإحياء للحفاظ على نقاء اللغة العبرية القديمة، إلا أن اللغة التي نشأت كانت جديدة تمامًا، متأثرة بتغيرات ثقافية واجتماعية كبيرة.

التحديات اللغوية والتأثيرات

لم تكن العبرية لغة أم لأي جماعة منذ القرن الثاني الميلادي، لكنها استمرت في الكتابة والطقوس الدينية. في العصور الوسطى، استُخدمت العبرية في مجالات مثل الأدب والصلوات، ولكن مع انتشار اليهود في مختلف أنحاء العالم، تأثرت لغتهم بالعربية والآرامية واليديشية، مما أضاف تعقيدات على اللغة المحكية.

بحلول القرن التاسع عشر، ظهرت اختلافات كبيرة في اللفظ بين المجتمعات اليهودية المختلفة. على سبيل المثال، تطورت العبرية الأشكنازية في أوروبا الشرقية والغربية، بينما حافظ اليهود السفارد في إسبانيا والعالم الإسلامي على لهجاتهم الخاصة. العبرية اليمنية أيضًا حافظت على العديد من سمات العبرية التوراتية، رغم عدم مشاركتها بشكل كبير في عملية الإحياء اللغوي.

اللغة العبرية في الأدب والبحث العلمي

شهدت أوروبا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر جهودًا لإحياء العبرية المكتوبة، خاصة من خلال حركة الهسكالا، وهي حركة تنويرية يهودية دعت إلى تحديث اللغة العبرية واستخدامها في الأدب والصحافة. 

قاد هؤلاء المثقفون جهودًا كبيرة لتوسيع نطاق استخدام اللغة العبرية في مجالات متنوعة، من الأدب إلى الصحافة، بما في ذلك مجلات مثل "همجيد" و"هاتسفيرا"، مما ساهم في تحديث اللغة وإدخال مفردات جديدة لتلبية احتياجات العصر.

الكاتب مندلي موخير سفاريم، وهو أحد أبرز أعلام حركة الهسكالا، قدم إسهامات كبيرة في تطوير العبرية. كتب باليديشية والعبرية، ونجح في تجاوز قيود اللغة التوراتية بإدخال تعبيرات جديدة ومفردات مستمدة من اللغات الأوروبية.

إحياء العبرية المحكية

على الرغم من الجهود الكبيرة التي بذلت لإحياء العبرية المكتوبة، كان التحدي الأكبر هو جعلها لغة محكية. 

بحلول نهاية القرن التاسع عشر، أصبحت اللغة العبرية تدريجيًا لغة للتواصل اليومي في فلسطين. كان اليهود من مختلف الخلفيات اللغوية في حاجة إلى لغة مشتركة، فاختاروا العبرية لتكون لغة تواصلهم، رغم أن هذه اللغة لم تكن لغة أم لهم.

في هذه الفترة، بدأت مؤسسات مثل "مجمع اللغة العبرية" في تحديد قواعد موحدة للنطق والنحو، وإدخال كلمات جديدة لاستخدامها في مختلف مجالات الحياة اليومية. 

بلغ هذا التطور ذروته في عام 1913 عندما اندلعت "حرب اللغات"، وهي خلاف حول اللغة التي يجب أن تُستخدم كلغة تعليم في المدارس اليهودية في فلسطين. انتصر أنصار اللغة العبرية في هذا الصراع، مما أدى إلى تعزيز مكانتها كلغة تعليم رسمي.

تأثير اللغة على المجتمع الإسرائيلي

مع تأسيس دولة إسرائيل في عام 1948، أصبحت اللغة العبرية اللغة الرسمية للدولة. تم توسيع استخدام العبرية ليشمل جميع مجالات الحياة، من التعليم إلى الإعلام والسياسة. 

ومنذ ذلك الحين، استمر تطور اللغة العبرية، حيث دمجت تأثيرات جديدة من اللغات الأوروبية والعربية، مما جعلها لغة حية تتفاعل مع التغيرات الاجتماعية والثقافية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق