بنك اليابان في مهمة شاقة وسط تباطؤ النمو وتراجع الأجور وتحديات الرسوم الأمريكية

يواجه بنك اليابان تحديات كبيرة في مسعاه لتطبيع السياسة النقدية، في وقت يشهد فيه الاقتصاد تباطؤاً ملحوظاً، بينما تضيف الرسوم الجمركية الأميركية المرتفعة ضغوطاً إضافية على الاقتصاد الياباني المعتمد على التصدير.

وقد زادت الأجور الحقيقية المتراجعة من تعقيد مهمة البنك. فقد أظهرت بيانات وزارة الصحة والعمل والرعاية الاجتماعية أن الأجور الحقيقية انخفضت بنسبة 2.9% خلال مايو أيار مقارنةً بالعام السابق، في أسرع وتيرة تراجع منذ 20 شهراً، مقابل انخفاض معدل بـ2% في أبريل نيسان بعد تعديله، ما يمثل الشهر الخامس على التوالي من الانكماش.

وتؤكد هذه البيانات أن التضخم يلتهم القوة الشرائية للأسر اليابانية، رغم الزيادات الكبيرة في الأجور الاسمية هذا العام.

وكانت النقابات العمالية اليابانية قد نجحت خلال مفاوضات الربيع السنوية في تحقيق أكبر زيادة في الأجور منذ عام 1991، حيث أعلنت «رنجو» –اتحاد النقابات العمالية الياباني– الأسبوع الماضي أن أعضاءها حصلوا على زيادة إجمالية في الأجور بنسبة 5.25% للسنة المالية التي بدأت في أبريل نيسان.

لكن التضخم لا يزال أعلى من هدف بنك اليابان البالغ 2% منذ أكثر من ثلاث سنوات، حيث سجّل آخر معدل له نحو 3.5%، ما يبدد الأثر الفعلي لزيادات الأجور.

وتُظهر بيانات الحكومة أن الأجور الاسمية ارتفعت شهرياً منذ ديسمبر كانون الأول 2021، غير أن الأجور الحقيقية تراجعت على أساس سنوي في أكثر من 30 شهراً من أصل 41 شهراً مضت.

وكان بنك اليابان قد أكد مراراً أن رفع معدلات الفائدة يتطلب تحقيق «حلقة حميدة» ترتفع فيها الأجور بالتوازي مع التضخم لدعم النمو، لكن التباطؤ الاقتصادي الراهن يُقيد قدرة البنك على المضي في تشديد السياسة النقدية.

وكان الاقتصاد الياباني قد انكمش خلال الربع الأول من العام للمرة الأولى منذ عام، متراجعاً بنسبة 0.2% على أساس ربعي، بفعل تراجع الصادرات، ما شكّل ضربة جديدة لاقتصاد يعتمد بشكل أساسي على التجارة الخارجية.

خيارات صعبة أمام بنك اليابان

يثير المسار المستقبلي للسياسة النقدية في اليابان جدلاً واسعاً بين المحللين، إذ ينقسم الرأي حول ما إذا كان ينبغي على بنك اليابان رفع معدلات الفائدة للحد من التضخم، أم مواصلة تثبيتها من أجل دعم النمو الاقتصادي في ظل حالة عدم اليقين المرتبطة بالرسوم الجمركية الأميركية.

وقال هيروفومي سوزوكي، كبير استراتيجيي العملات الأجنبية في «سوميتومو ميتسوي بنك»، لقناة «CNBC»، إن التراجع في الأجور الحقيقية خلال مايو أيار يُعد إلى حدّ كبير مؤقتاً، لكنه أشار إلى أن نمو الأجور الحقيقية لا يزال ضعيفاً بشكل عام، ما قد يُضعف وتيرة التوسع الاقتصادي مع تراجع الاستهلاك.

وأضاف أن هذا التباطؤ في نمو الأجور الحقيقية يشير إلى أن ما يسمى بـ«الدورة الحميدة» التي يعتمد عليها بنك اليابان —والتي تفترض أن ارتفاع الأجور يُغذي التضخم ويعزز النمو— ليست بالقوة المتوقعة، ما قد يُعد عاملاً يدفع البنك لتأجيل رفع الفائدة.

وعلى الجانب الآخر، يرى يسبر كول، المدير الخبير لدى مجموعة «مونكس» للخدمات المالية في طوكيو، أن تسارع التضخم بوتيرة تفوق نمو الأجور سيعزز التزام محافظ بنك اليابان كازو أويدا برفع معدل الفائدة الرئيسي، مشيراً إلى أن هذه الخطوة قد تعزز فوراً القدرة الشرائية للمواطن العادي من خلال تقوية الين.

وأوضح كول أن ثلث مؤشر أسعار المستهلك في اليابان مرتبط مباشرة بأسعار الواردات، وبالتالي فإن ارتفاع قيمة الين من شأنه أن يخفف من تضخم الواردات.

من جانبه، قال فيشنو فاراتان، المدير العام في «ميزوهو سيكيوريتيز»، إن «أفضل استراتيجية محتملة لبنك اليابان حالياً قد تكون عدم القيام بأي شيء». وأوضح أن البنك قد يفضل التريث، مع الحفاظ على ميل تشديد السياسة النقدية على المدى الأبعد، إلى أن تتضح تداعيات التهديدات الجمركية، في إشارة إلى نية الولايات المتحدة فرض رسوم بنسبة 25% على الواردات اليابانية اعتباراً من الأول من أغسطس آب.

وأشار فاراتان إلى أن البنك «من الأفضل له أن يتنحّى جانباً بدلاً من التدخل»، نظراً لمحدودية قدرته على تنفيذ زيادات إضافية في معدلات الفائدة دون التسبب في كبح الطلب المحلي.

وكان محافظ بنك اليابان كازو أويدا قد أعرب الشهر الماضي عن ثقته بأن الاقتصاد الياباني قادر على تحمّل الضغوط الناجمة عن الرسوم الأميركية، مؤكداً أن دورة ارتفاع الأجور والأسعار لن تتعرض للانقطاع.

 

close