البكالوريا في مصر.. هل تكون بديلاً للثانوية العامة أم تجربة جديدة في تطوير التعليم؟

في خطوة تشريعية جديدة تعكس توجه الدولة نحو إصلاح المنظومة التعليمية، ناقشت لجنة التعليم بمجلس النواب مشروع قانون التعليم الجديد، والذي أثار اهتمامًا واسعًا بعدما تضمّن إدخال نظام البكالوريا كمسار تعليمي اختياري بجانب الثانوية العامة التقليدية.
وهذه الخطوة التي يُنظر إليها من قبل بعض المراقبين على أنها بداية تحول في فلسفة التعليم الثانوي في مصر، طرحت تساؤلات كثيرة حول طبيعة النظام، وهل يمثل بديلاً فعليًا، أم مجرد تجربة موازية ستظل حبيسة الأوراق؟

البكالوريا.. الأمن القومي في صلب القانون الجديد 

أكد المستشار محمد عبدالعليم كفافي، المستشار القانوني لرئيس مجلس النواب، خلال اجتماع لجنة التعليم، أن مشروع قانون التعليم الجديد من القوانين التي تمس الأمن القومي الاجتماعي، وذلك نظرًا لارتباطه بمستقبل ملايين الأسر المصرية.
وأضاف أن النظام الجديد لن يمس بنظام الثانوية العامة الحالي، موضحًا أن البكالوريا ستكون “اختيارية” وليست إجبارية، وتمتد لثلاث سنوات دراسية.
ورغم أن مسمى “البكالوريا” لم يرد نصًا في مواد القانون، فإنه ورد في المذكرة الإيضاحية المرافقة، ما أثار جدلًا حول وجوب تضمينه بشكل صريح في متن القانون، وهو ما أقره كفافي في تصريحه، مؤكدًا أن الحكومة ستعمل على إدراجه ضمن مواد القانون تفاديًا لأي لبس.

توافق حكومي-نيابي شبه كامل 

شهدت الفترة الماضية اجتماعات مكثفة بين الحكومة ممثلة في وزيري التربية والتعليم والتعليم الفني، ووزير الشئون النيابية والقانونية، مع لجنة التعليم البرلمانية، لمناقشة ملاحظات النواب ومقترحاتهم بشأن مشروع القانون.
وأسفرت تلك الاجتماعات عن التوافق على 99% من الملاحظات، بحسب تصريحات المستشار كفافي، وسط إشادة بتجاوب الحكومة مع النواب.

البكالوريا: تجربة فرنسية بروح مصرية 

تعود فكرة “البكالوريا” إلى النظام التعليمي الفرنسي، حيث تعتمد على تقييم شامل للطلاب خلال سنوات دراستهم، وتمنحهم شهادة تؤهلهم للالتحاق بالجامعات دون الاعتماد فقط على امتحان نهائي واحد.
ووفقًا لمشروع القانون المصري، سيكون نظام البكالوريا المصري مجانيًا واختياريًا، ولا يلغي أو يستبدل نظام الثانوية العامة.

أوضحت النائبة أميرة العادلي، عضو مجلس النواب عن تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، أن اللجنة البرلمانية أعادت صياغة عدد من مواد القانون، وحذفت أخرى، بينما أدخلت مواد مستحدثة لإقرار شهادة البكالوريا كنظام تعليمي جديد، مؤكدة أن البنية الأساسية للثانوية العامة ستظل دون تغيير.
البكالوريا

نظام التحسين.. مجانية أولى ورسوم تصاعدية بعد ذلك 

من أبرز التعديلات اللافتة التي أدخلت على القانون، ما يتعلق بنظام “التحسين”، حيث أصبح من حق الطالب إعادة امتحان أي مادة مرة أولى مجانًا، وفي حال إعادة المادة مرة ثانية، تُفرض رسوم لا تتجاوز 200 جنيه، على أن تُحدَّد الزيادات لاحقًا بقرار من مجلس الوزراء دون أن تتجاوز 400 جنيه للمادة الواحدة.
وينطبق هذا النظام كذلك على طلاب التعليم الفني والتقني، في خطوة تهدف إلى تحقيق العدالة التعليمية وتخفيف الأعباء الاقتصادية على الأسر المصرية.

التربية الدينية.. نجاح إلزامي ولكن خارج المجموع 

لفتت العادلي إلى أن الحكومة تمسكت بالإبقاء على مادة التربية الدينية كمادة نجاح ورسوب بنسبة لا تقل عن 70%، إلا أنها لا تُحتسب ضمن المجموع التراكمي للطالب.
القرار الذي أثار نقاشًا واسعًا بين النواب لقي تأييدًا من بعض التيارات، باعتباره يحافظ على البعد القيمي والديني في التعليم، مع مراعاة عدالة التقييم الأكاديمي.

رؤية تنموية لا تقتصر على القوانين 

رغم كل التعديلات، شددت النائبة أميرة العادلي على أن تطوير التعليم في مصر لا يمكن اختزاله في تعديلات تشريعية فقط، بل يتطلب رؤية استراتيجية شاملة وسياسات متكاملة يشرف عليها المجلس الوطني للتعليم، حتى تتحول التشريعات إلى واقع ملموس في المدارس والجامعات.
كما أكدت على أهمية الاستماع إلى مختلف الآراء التربوية والاجتماعية والطلابية قبل إقرار القانون بشكل نهائي، مشيرة إلى أن التجربة التعليمية الجديدة يجب أن تُبنى على أسس واقعية مدروسة، وألا تُترك للمصادفة أو التسرع في التنفيذ.

البكالوريا.. فرصة أم تحدٍ؟ 

إدخال نظام البكالوريا في التعليم المصري يطرح فرصًا وتحديات، فمن جهة، يتيح للطلاب مسارًا بديلًا عن ضغوط الثانوية العامة التقليدية، التي تُنتقد منذ سنوات لاعتمادها على امتحان واحد مصيري.
ومن جهة أخرى، فإن نجاح النظام الجديد مرهون بكفاءة تطبيقه على الأرض، من حيث إعداد المعلمين، وتوفير البنية التحتية، وضمان المساواة بين الطلاب في شتى المحافظات.
يبدو أن الحكومة والبرلمان عازمان على المضي قدمًا في تجربة البكالوريا المصرية، وسط تفاؤل نسبي بأن تكون هذه الخطوة نقلة نوعية نحو تعليم أكثر شمولًا وتنوعًا.
ولكن يبقى السؤال: هل تتوفر لدينا الإمكانيات الفعلية لتطبيق هذا النظام بكفاءة وعدالة؟ أم ستظل مجرد تجربة جديدة تنضم إلى قائمة المحاولات الإصلاحية المؤجلة؟

close