سعر صرف الدولار في العراق يشهد تقلبات مستمرة تعكس هشاشة السياسة النقدية التي تواجه تحديات داخلية وخارجية متشابكة، ما يجعل استقرار السوق مجرد فترة مؤقتة بين موجات ارتفاع جديدة، ويعكس الوضع الحالي ضعف القدرة على ضبط العرض والطلب في مواجهة قيود تحويلات الدولار الأمريكية وتأثير السوق الموازي على المواطنين والتجار على حد سواء، الأمر الذي يطالب بحلول جذرية وعاجلة.
سعر صرف الدولار بين الواقع والتحديات في العراق
شهدت الأسواق العراقية خلال الأشهر الماضية تذبذباً ملحوظاً في سعر صرف الدولار، إذ عاد السعر إلى الارتفاع بعد فترة استقرار نسبي، ما أثار مخاوف اقتصادية وتجارياً واسعة، ويبرز ذلك هشاشة السياسة النقدية وعدم قدرة البنك المركزي على ضبط حركة العملة الصعبة بشكل مستدام، خاصة مع استمرار الضغوط الخارجية على التحويلات النقدية واشتداد الرقابة الأمريكية التي تحد من كمية الدولار المتاحة في السوق المحلية؛ الأمر الذي يساهم في خلق خلل بين العرض والطلب ويزيد من التهافت على الدولار مقابل العملة المحلية.
الخبير الاقتصادي ناصر التميمي يؤكد أن ارتفاع سعر صرف الدولار يعود إلى عوامل عدة متشابكة، منها انخفاض المعروض الحقيقي للدولار في السوق نتيجة القيود المفروضة على عمليات تحويل العملة للخارج، مع ازدياد طلب التجار على الدولار لتغطية تكاليف الاستيراد، وهذا التزايد في الطلب جعل الأسعار في السوق الموازي تتصاعد، خاصة مع بطء وصول الدولار للتجار عبر المنصة الرسمية للبنك المركزي، مما يدفعهم إلى التوجه للسوق الثانوية التي تتسم بأسعار أعلى وتأثيرها المباشر على المواطن البسيط.
فجوة السعر الرسمي والموازي وتأثيرها على سعر صرف الدولار
الأزمة غير مقتصرة على تذبذب السعر فقط، بل تتعمق بسبب الفجوة الكبيرة بين سعر صرف الدولار الرسمي الذي يحدده البنك المركزي والسعر الموازي في الأسواق، وهذه المسألة تعكس أزمة ثقة متجذرة في النظام المصرفي، فحين يفشل البنك المركزي في تلبية احتياجات المستوردين والدخول النقدي بسلاسة تلقى السوق الموازية إقبالاً متزايداً، ويرافق ذلك مضاربات يومية تزيد من تعقيد الوضع، وبالتالي تقل قدرة السياسة النقدية على ضبط السوق.
المراقبون يشيرون إلى أن هذه الفجوة لا تؤثر فقط على التجار بل هي عبء مباشر على المواطن، خاصة مع عدم الاستقرار الذي يزيد من تكلفة المعيشة، ويبرز هنا جانب وجود خلل بنيوي يتطلب تدخلاً شاملاً بشكل عاجل يتجاوز ضخ الدولار فقط، فالأزمة تعكس عدم توازن هيكلي في آليات العمل المالي والمصرفي والبيروقراطية في التحويلات المالية، إلى جانب تأثير الإجراءات الأمريكية المتصلة برصد وتمويل النشاطات غير المشروعة والتي تسببت في فرض قيود وصعوبات على المصارف والشركات العراقية.
خطوات ضرورية لمعالجة سعر صرف الدولار وأسباب استمرارية الأزمات
الأزمات المتلاحقة في سوق صرف الدولار بالعراق لا تعتبر جديدة بل هي جزء من مسار طويل ومتكرر منذ بداية عام 2023، ويؤكد الباحثون الاقتصاديون أن الحلول المؤقتة لا تفي بالغرض وحالها سيان مع موجات الاستقرار التي تتلاشى عند حدوث أي ضغط سياسي أو اقتصادي، ولهذا فإن معالجة أزمة سعر صرف الدولار تحتاج إلى إصلاحات هيكلية للنظام المصرفي وتعزيز شفافية وسلاسة آليات التحويلات بالإضافة إلى بناء ثقة قوية في السياسة النقدية، مؤكداً التميمي أن المرونة في آليات بيع الدولار ودعم القطاع المالي يعتبران حجر الزاوية لتقليل المضاربات وضمان استقرار أكبر في الأسواق.
- تبسيط إجراءات التحويلات المالية عبر المنصات الرسمية
- تعزيز دور البنك المركزي في توفير الدولار للمستوردين بسعر عادل
- تعزيز الرقابة على المضاربات ومنع السوق السوداء
- تحسين بيئة العمل المصرفي ورفع الثقة العامة بالنظام المالي
- التواصل مع الجهات الدولية لتخفيف القيود على التحويلات المالية
هذه الإجراءات لا يمكن تنفيذها بمعزل عن ضرورة مواجهة الضغوط الأمريكية التي تحكم مسار تحويلات الدولار الخارجية، والتي تعتبر العامل الخارجي الرئيسي الحاسم في ارتفاع السعر، إذ تبقى الأزمة مرهونة بالسياسات الدولية التي تؤثر على الاقتصاد العراقي بشكل مباشر.
العامل المؤثر | التأثير على سعر الصرف |
---|---|
القيود الأمريكية على التحويلات | تقلل من المعروض وتزيد الضغط على الدولار |
فجوة السعر الرسمي والموازي | تعزز المضاربات وترفع الأسعار في السوق الثانوية |
انخفاض الثقة بالنظام المصرفي | زيادة الاعتماد على السوق السوداء |
زيادة طلب التجار للاستيراد | رفع الطلب على الدولار وزيادة الأسعار |
يبقى سعر صرف الدولار انعكاسًا لمعادلة معقدة بين أزمات داخلية تواجه نظامنا المالي وضغوط خارجية مفروضة على الاقتصاد الوطني، وحين لا تحقق السياسة النقدية ثقة التجار والمواطنين، فإن كل تحركات السعر ستكون عرضة للتقلبات الصعبة، ويستلزم ذلك مسارات إصلاح شاملة للحفاظ على استقرار السوق وتحسين القدرة الشرائية للمواطن.