«واقع مؤلم» لا غايات وطنية ولا معالم بين الخنادق هل تستمر الأزمة إلى متى؟

الحروب اليمنية لا تملك قضايا واضحة أو معالم تفصل بين المتصارعين رغم الشعارات الجذابة التي ترفع في كل جانب، فيمكن للمرء أن يبدأ يومه حوثياً ويختتمه كشرعي، أو يعبر بين الفريقين دون خوف من اللوم أو استياء، لأن التغيرات في الولاءات هنا تعتمد بشكل كامل على المصالح الشخصية ولا تعبر عن قناعات ثابتة؛ هذه السمة تعكس عمق التشابك والضبابية التي تحكم المشهد اليمني الدامي.

الحروب اليمنية والتقلب بين الولاءات: سر اللاصراعات المركبة

تُعد الحروب اليمنية مثالاً على الصراعات التي لا تستند إلى قضايا وطنية واضحة، فالتقلب بين الولاءات هو السمة الرئيسة التي تسيطر على المشهد، فمن حلف مع الحوثيين كان صالح رأس الحربة في الانقلاب لكنه ظل يتراجع ويغير مواقفه لأسباب شخصية، وقد باع ميراث خمس جمهوريات ومخازن سلاح دولتين بأيدي الحوثيين، ما أثر على وضع اليمن السياسي والعسكري. حين قرر الحوثيون التخلص من صالح بالقصف والقتل، صار الأخير ثائرًا في الوعي الجمعي رغم دوره في تأجيج الجحيم. هذه التقلبات تعكس غياب القيم والمبادئ الراسخة وتحكم المزاج الشخصي والمصالح في تحديد التحالفات.

الحروب اليمنية بين القبائل والنخب: كيف تُفسد المصالح الشخصية الهوية الوطنية؟

لم تقتصر الحروب اليمنية على التضارب الحزبي والسياسي فقط، بل امتدت لتشمل تفكك الهوية الوطنية بسبب تزاحم المصالح والولاءات القبلية، حيث يُطلق على المواقف المتقلبة بين القبائل مصطلح “جمهوري في النهار وملكي في الليل”، ويظهر هذا بوضوح في مشاركة القبائل، التي كانت أداة تنفيذ لرغبات الحوثي وشاركت في تغذية الصراع عبر القتال وتأييد الميليشيات، إضافة إلى تأييد عديد من المثقفين والنخبة الذين تعاملوا مع الانقلاب كوجهة نظر أو مصلحة شخصية. ويبرر البعض ذلك بشكل عصبوي تحت مظلة روابط الدم والهوية الفرعية مما يزيد تعقيد الصراع ويبعده عن البعد الوطني الحقيقي.

  • غياب القضايا الوطنية الصريحة
  • تقلب الولاءات حسب المصالح الشخصية
  • تداخل النفوذ القبلي والمصالح الاقتصادية
  • تأثير النخبة والمثقفين في اندلاع الصراعات
  • تلاعب الفصائل بخطوط القتال لتعزيز مكاسب شخصية

الحروب اليمنية والعيوب السوداء: تداخل النزاعات مع مفهوم الشرف والقبيلة

يدخل مفهوم “العيب الأسود” في قلب الحروب اليمنية ليكشف عن تعقيد العلاقات القبلية والحزبية، حيث يبرر كل طرف تصرفاته العشوائية بحماية أفراد قبيلته، حتى وإن ارتكبوا جرائم أو تجاوزات كبيرة، مثل حالة القبيلة الداعمة للقيادي الحوثي محمد الزايدي الذي تورط في التحشيد والقتل، وهو ما يُعتبر عملاً مشيناً من منظور وطني، لكن القبيلة ترفض الاعتراف به وترى في احتجازه “عيبًا أسود” يستدعي التدافع، رغم انتهاكاتها المتكررة للعادات والتقاليد والقوانين وضعف النزاهة في إدارة الحرب. ومن جهة أخرى تغيب العدالة ويتلاشى الحاجز الفاصل بين قاتل وآخر، فمثلا هجوم الحوثيين على الشيخ صالح حنتوس واغتياله تم التعامل معه ببرود رغم كونه رجل تعليم وخدمة دينية.

المفهوم التأثير في الحروب اليمنية
العيب الأسود تبرير الانحياز للقبيلة والتغاضي عن الجرائم
التقلب بين الولاءات غياب الثوابت الوطنية والمبادئ الواضحة
تداخل المصالح تحول الحرب لمورد اقتصادي واجتماعي
غياب العدالة استباحة الدماء وكرامة الإنسان

في الحروب اليمنية، يصبح التلاعب بالحدود بين الخنادق طوعياً، فالتحولات بين صفوف القتال حدث متكرر لا يعاقب عليه القانون ولا المجتمع، بل يتحول كسب المواقف أحيانًا إلى مدخل للسلطة، رغم سجل الجرائم الواسع، وتتواصل الصراعات دون توقف أو حساب، تتداخل فيها الولاءات وتتشابك المصالح، ما يجعل من اليمن أرضًا خصبة لتعميق معاناة شعبها وتشتت طموحه، وتصبح الحرب أداة استنزاف لا نهاية لها، تختفي فيها معالم العدالة والمبادئ.

ختامًا، تبدو الحروب اليمنية سجالًا لا ينتهي بين مصالح شخصية وعصبيات قبلية، متجاذبًا بين أطراف لا تجمعهم إلا حروب عبثية ودماء تُسفك بلا توقف، ويحاول الجميع البحث عن مخرج لن يتحقق قبل أن يستعيد الشعب معاني وطنه المغيبة وسط هذا الدوام الفوضوي.

close