مصر بين "العشّة" و"إيجيبت"
تشهد مصر اليوم انقساماً طبقياً عميقاً، يتجلى في الخطاب السياسي والاقتصادي والإنتاج الثقافي. من القصور الفاخرة إلى الأحياء الشعبية، يظهر هذا الانقسام بوضوح في الدراما المصرية، خاصة في موسم رمضان. رغم محاولات بعض الأعمال محاكاة الواقع، إلا أن النقاد يرون أنها غالباً ما تفشل في التعبير عن معاناة الطبقة المتوسطة والشرائح الفقيرة.
اغتراب الطبقة المتوسطة
تشهد مصر تراجعاً ملحوظاً في دور الطبقة المتوسطة، التي كانت تشكل العمود الفقري للدراما المصرية لسنوات طويلة. مع الأزمة الاقتصادية المتصاعدة وتقلص الدعم الحكومي، فقدت هذه الطبقة الكثير من تأثيرها. يقول الكاتب ياسر عبد اللطيف إن الدراما التي تعكس واقع الطبقة المتوسطة قد اختفت تقريباً، لتصبح إنتاجات اليوم مركزة إما على الأثرياء في الكومباوندات أو على سكان العشوائيات.
محاولات فاشلة لمحاكاة الواقع
على الرغم من ظهور بعض الأعمال التي تحاول التعبير عن الواقع الاقتصادي، إلا أنها غالباً ما تقتصر على محاكاة خارجية دون الغوص في تعقيدات الصراع الطبقي. يشير النقاد إلى أن هذه الأعمال تُقدّم من منظور نخبوي، مما يجعلها بعيدة عن مشاكل الطبقة المتوسطة العادية. على سبيل المثال، يعتبر تصوير جوانب حياة الطبقة العليا في مسلسلات رمضانية أمراً لا يعكس واقع غالبية المصريين.
سيطرة الإعلانات والإنتاج الخاص
مع خصخصة الإعلام، أصبحت الإعلانات تسيطر على سوق الدراما، مما أدى إلى انفصالها عن الواقع الاجتماعي. تهيمن شركات إنتاج كبيرة مثل "المتحدة للخدمات الإعلامية" على المشهد الدرامي، حيث تُنتَج أعمال تستهدف الطبقات العليا وتتجاهل الأزمات الاقتصادية التي يعاني منها معظم المصريين.
دور الرقابة وتأثيرها
يلعب دور الرقابة الحكومية في تشكيل الدراما المصرية دوراً كبيراً. يقول الكاتب محمد نعيم إن الرقابة قد وصلت إلى حد كتابة الضباط لأجزاء من الأعمال الدرامية، مما يحد من حرية التعبير ويُنتِج أعمالاً تفتقر إلى العمق والواقعية.
خاتمة: مستقبل الدراما المصرية
في ظل هذه التحديات، يبقى السؤال: هل يمكن للدراما المصرية أن تعود لتعكس واقع المجتمع بصدق؟ يُعتقد أن تحقيق ذلك يتطلب تحرراً أكبر من سيطرة الإعلانات والرقابة، وإعادة إشراك الطبقة المتوسطة في سرديات الدراما. بدون ذلك، ستظل الدراما بعيدة عن قلب المجتمع الحقيقي.